مشهد ترنّح الديكتاتور لحظة استثنائيّة حقّاً. كنّا قد انتظرنا طويلاً، حتى صدئت كلماتنا، وضمرت خطانا، وشحّت أصواتنا، ولم نعد ننتظر شيئاً. الجيل الذي بشّر بالتغيير، كان قد استقال وتصالح مع «الأمر الواقع». فجأة جاء الشباب وحققوا نبوءات تاب عنها أصحابها، هتفوا ورفعوا قبضاتهم في الهواء وافترشوا الشوارع والميادين. «صباح الخير على الورد اللي فتّح في جناين مصر». لوهلة، صدّقنا أن قصيدة لأحمد فؤاد نجم تكفي لتغيير العالم.
بدا المحال ممكناً تحت أنظارنا المشدوهة أمام التلفزيون. نفكّر اليوم بكل الذين دفعوا أغلى ما يملكون، طوال تلك الأيّام الأسطوريّة، والذين سينزلون غداً الجمعة إلى الشارع في مصر، لاستعادة الثورة المسروقة. سينزلون من أجل غد أفضل، من أجل الحريّة والعدالة الاجتماعيّة والتنمية والتعدديّة وشرعيّة السلطة، وحق المعرفة والتعليم والطبابة والتفكير. من أجل استرجاع الحقوق السليبة، والثروات المهدورة، وتغليب القرار الوطني على الوصاية الأجنبيّة. من أجل مجتمع مدني يتسع للجميع، ودولة مؤسسات تساوي بين الجميع، ونظام حكم يعطي لكلٍّ فرصته وحقّه في الوجود.
لكن ماذا سيتحقق من كل ذلك؟ سؤال نطرحه بعد عامين على ٢٥ يناير، ونتوقّع الجواب: «ما زال الوقت مبكراً جداً»! علينا أن ننتظر إذاً. في هذه الأثناء سيحجب الغربان وجه السماء، سيزوّرون قواعد اللعبة ليضمنوا بقاءهم. سيزداد الفقراء فقراً وأميّة وتعصّباً. بعض الذين كانوا في سجون مبارك، أو في الشارع مطالبين بفتح معبر رفح في ٢٠٠٩ و٢٠١٠، سيلعبون دور الوسيط، لكي لا نقول الشرطي، لصالح إسرائيل. رفاق خالد الإسلامبولي السابقون سيأخذون جزءاً من المقاومة إلى «ما بعد كامب دايفيد» و«ما بعد أوسلو»، فوق بساط ريح هو خليط من سجّادة «كيليم» ودشداشة قطريّة. والجمعيّات غير الحكوميّة تتكفّل بالباقي: «تدريب» (اقرأ تدجين) الشباب العربي الباحث عن أفق خارج الليل الإخونجي الطويل. الثورة بدأت الآن؟ حبّذا لو يكون الأمر كذلك. إنّه زمن الحروب الأهليّة والانهيارات الكبرى. لا تقولوا ثورة، كان «حلم ليلة صيف». بالأحرى ليلة شتاء.