«بروفة» الشتاء حصلت منذ أسبوعين، واللبنانيون- مبدئياً- سيغرقون. هذا البلد لم يعرف حتى اليوم كيف يتعامل مع مشاكله، ولا ينفك يكرر مآسيه كلما سنحت له الفرصة. المواطنون -طبعاً- سينزعجون عندما تحتجزهم الأمطار داخل سياراتهم، سيغضبون عندما تقتحم المياه بيوتهم ومتاجرهم، لكنهم، ومثل كل مرة، سيعتادون ويسكتون. هم خرجوا للتو من «حريق» فرضته عليهم دولة قطعت عنهم الكهرباء «في عز الصيف»، ولم يتأثروا. الجميع اليوم ينتظر الطوفان، وهو أمرٌ محتوم، فالبنى التحتية قديمة، ضعيفة، وعاجزة عن تحمّل ضغوط البناء والبشر الفائضة كثيرا عن طاقتها. الدولة، بطبيعة الحال، تبقى خارج المعادلة، فوزارة الطاقة مثلاً أعلنت بـ «وقاحة» أنها لم تنظّف مجاري الأنهر لعدم توافر الاعتمادات، معترفةً «بأنه مع بداية كل فصل شتاء تحدث فيضانات وسيول تسبب أضرارا مادية بالممتلكات، وعرقلة سير، وازدحاما وتعطيلا لحركة المرور». أمّا وزارة الأشغال، فتتأرجح بين دفع أموال المتعهدين لأداء مهمّاتهم، والتقاعس بحسب متعهد بيروت، الذي كشف أن الأموال المخصصة شارفت على النفاد، ما يعني توقف الأعمال ما لم تتحرك الوزارة لإيجاد حل. لا يقتصر الأمر على هاتين الوزارتين المعنيتين مباشرة بهذه الأزمة، إنما المسؤولية تنسحب أيضاً على دولة تستشرس في تشجيع الفورات العقارية بعيداً عن كل التبعات التي تلحق بالناس.

هكذا اصبح في بيروت الكبرى احياء لا تطوف لدعم اسعار العقارات الخيالية، واحياء واسعة مهمّشة تغرق بهدف تهجير سكانها، منها مناطق التماس الإدارية، الطائفية أو الطبقية المعرّضة لخطر الطوفان عند أول عاصفة.