في حربها الحالية ضد إيران وروسيا، لا تحتاج الولايات المتحدة لاستقدام تعزيزات أو بناء تحالفات. كل ما عليها فعله هو استغلال التطورات الاقتصادية والتغييرات التي طرأت على السوق النفطية، بتدخل سعودي مباشر، من أجل شنّ معركة جديدة، تحقق من خلالها انتصارات على المستوى السياسي.
انطلاقاً من هذه النظرية، وبعد تحليل انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية وموقف السعودية والولايات المتحدة منه، خلص العديد من الوسائل الإعلامية الغربية والأميركية، إلى أنه رغم النتيجة السلبية لانخفاض الأسعار، إلا أن الولايات المتحدة كانت مرتاحة لهذا الموقف، لأن انعكاساته الإيجابية أكبر من انعكاساته السلبية، كما توصل البعض إلى خلاصة أخرى مفادها أن «أميركا تخوض اليوم حرباً نفطية عالمية».
من هؤلاء الكاتب توماس فريدمان، الذي قال في مقال في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إنه «من الواضح أن ما تحاول أميركا والسعودية القيام به، حالياً، اتجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، هو نفسه ما قامتا به اتجاه الاتحاد السوفياتي سابقاً، أي إفلاسه من خلال خفض أسعار النفط».
ولتعزيز فكرته، تناول الكاتب الأميركي مقالاً نشرته صحيفة «برافدا» الروسية، بعنوان «أوباما يريد من السعودية أن تدمر الاقتصاد الروسي»، أشارت من خلاله إلى أن «هناك سابقة في هذا المجال، وهي حين أدت أعمال مشتركة مشابهة (بين السعودية وأميركا) إلى انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1985». فبحسب «برافدا»، «قامت حينها المملكة برفع إنتاج النفط من مليوني برميل إلى 10 ملايين في اليوم، ما أدى إلى انحفاض الأسعار من 32 دولاراً إلى 10 دولارات للبرميل».
ولكن فريدمان الذي أشار أيضاً إلى أن «هناك 5 دول نفطية هي ليبيا والعراق ونيجيريا وسوريا وإيران، تعيش في فوضى عارمة اليوم، كما أن إيران تعاني بسبب العقوبات الاقتصادية»، لفت في الوقت ذاته إلى أنه «لو حصل هذا الأمر منذ عشر سنوات لارتفعت أسعار النفط على نحو كبير».
النتيجة التي توصل إليها توماس فريدمان في مقاله، هي أن تصرفات السعودية والولايات المتحدة ستؤدي إلى «جعل حياة روسيا وإيران صعبة، فيما تتواجهان مع طرفي الأزمة أيضاً، في سوريا».
أما الكاتب في موقع «بلومبرغ» إسحق أرنسدورف، فقد رأى في تقرير بعنوان «لا تعبثوا مع السعودية في مرحلة ركود أسعار النفط في الأسواق العالمية»، أن «السعودية ظهرت على أنها لا تزال في موقع تتحكم من خلاله بمن يكسب ومن يخسر في أسواق النفط العالمية».
أرنسدورف الذي تحدث عن الأسباب الاقتصادية الكامنة وراء الحركة السعودية الأخيرة، أشار إلى أنها تحاول حماية حصتها في السوق، من خلال المحافظة على استقرار إنتاجها، حتى مع هبوط أسعار النفط إلى أدنى مستوى في أربع سنوات.
وفي سياق آخر، لفت أرنسدورف إلى أنه «في الوقت الذي يعاني فيه منتجو النفط، مثل روسيا وإيران وفنزويلا على اعتبار أنهم أكبر الخاسرين»، إلا أن «منافسين آخرين للسعودية سيعانون أيضاً، ومن بينهم شركات حفر النفط الصخري الأميركية، فيما تنال الدول المصنّعة التي تستورد النفط مثل اليابان، دفعاً قوياً لاقتصادها بسبب الأسعار المنخفضة».
أما بشأن تأثير انخفاض الأسعار على إيران، فقد نقل أرنسدروف عن مديرة الأبحاث في مؤسسة «ستراتفور» ريفا بهالا قولها إن «السعودية ستسعد لفكرة أن إيران ستنازع»، معتبرة أن انخفاض أسعار النفط «سيزيد الضغوط على طهران، ما يدفعها إلى إبرام اتفاق».
كذلك الأمر بالنسبة لروسيا «الضعيفة التي تعتمد على بيع برميل النفط مقابل 100 دولار»، بحسب بهالا، التي أشارت إلى أن العقوبات الأوروبية على موسكو، أدت إلى وصول سعر الروبل إلى مستوى قياسي منخفض.
من جهتها، رأت صحيفة «لوس انجلس تايمز» أن الانخفاض في أسعار النفط العالمية، مدفوعا جزئياً بطفرة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدّة، يهدّد بضرب الاقتصادات المصدرة للطاقة كروسيا وإيران، ما يجعله مؤثراً عليهما أكثر من العقوبات الاقتصادية الغربية.
وأوضحت الصحيفة في مقال لبول ريختر، أن «انخفاض أسعار النفط يأتي في وقت قامت فيه أوروبا والولايات المتحدة بمعاقبة المصارف الروسية وشركات الدفاع والطاقة، بسبب الأزمة الأوكرانية».
وبحسب ريختر، فإنه «من غير المتوقع أن تؤدي هذه الضغوط الاقتصادية إلى تغيير الطريقة العدائية التي ينتهجها بوتين من أجل استعادة نفوذ قوي في أوكرانيا، لكنها قد تسبب توترات في علاقته مع النخبة الروسية والمؤسسات التجارية، اللتين تشكلان دعامتين أساسيتين من دعائمه السياسية».
أما «الاقتصاد الإيراني الذي عانى لسنوات بسبب العقوبات الاقتصادية، فقد استعاد جزءاً من حيويته خلال الأشهر الأخيرة»، وفق ريختر، الذي أوضح على هذا الصعيد، أن «مساعدي الرئيس الإيراني حسن روحاني وجدوا أساليب تساعدهم على بيع المزيد من المنتجات البترولية رغم العقوبات، إضافة إلى أن الاتفاق النووي الذي جرى توقيعه في تشرين الثاني الماضي دى إلى ازدياد النشاط الاقتصادي».
ولكن الكاتب لم يغفل الإشارة إلى أن «إيران كما روسيا بحاجة لأن يبقى سعر النفط أعلى من 100 دولار للبرميل الواحد، من أجل تحقيق التوازن في ميزانيتها».
وهي كما قال المحلل المتخصص في الشأن الإيراني صالحي أصفهاني، لريختر «قد تضطر إلى رفع أسعار النفط في إيران ما يجعل الطبقة الوسطى هناك تدفع مقابل البرامج الحكومية، التي يستفيد منها الفقراء على نحو كبير». ما يعني التعويض عن الخسائر الاقتصادية، مقابل نتائج سياسية ربما لن تكون إلى جانب الحكومة الإيرانية.