القاهرة | كاد مؤتمر إعمار قطاع غزة يتحول أمس إلى «بازار» للحديث عن السلام والتسوية والحل النهائي للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
فبعد سلسلة من الكلمات التي افتتحها راعي المؤتمر، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومعه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ودولة النروج، وكلها كانت تتحدث عن ضرورة تفعيل الخيار السلمي وحل الدولتين، أكدت مصادر سيادية مصرية لـ«الأخبار» أن السلطة تواصل مشاوراتها مع أعضاء مجلس الأمن الدولي من أجل صيغة مشروع القرار الفلسطيني المقرر طرحه على المجلس، والساعي إلى تحديد جدول زمني لإقامة الدولة الفلسطينية برغم المعارضة الواضحة للولايات المتحدة. وكشفت مصادر فلسطينية أخرى أن المشروع قد يقدم رسمياً إلى مجلس الأمن في الحادي والعشرين من الشهر الجاري.
وكان الأميركيون من ضمن الداعين إلى «استئناف عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين» المتوقفة منذ نيسان الماضي، وهو ما صرح به وزير الخارجية، جون كيري، الذي أجرى على هامش اجتماع الدول المانحة محادثات مع عباس، كان غرضها، وفق مصادر خاصة، محاولة ثني «أبو مازن» عن التحرك الديبلوماسي المنفرد عبر مجلس الأمن. كذلك أبلغه كيري أن على السلطة الإسراع في تقديم تنازلات من أجل منع إسرائيل من بناء المستوطنات مقابل إتمام إعمار غزة.
تخوّف فلسطيني من «خطوات داخلية» تعيق تنفيذ مقررات المؤتمر

وقد لا يهم رصد الخطابات النصية للمشاركين من رؤساء أو وزراء، وبثت جميعها عبر الإعلام، بقدر البحث في ما كان يتداول بين أروقة المؤتمر، وهي محادثات جانبية على مائدة التمويل التي نظمتها مصر والنروج. والصادم أن معظم الكلام الجانبي لم يكن عن غزة، فقد نجح تنظيم «داعش» في سحب الأضواء من حرب غزة وحتى حركة «حماس»، وصولاً إلى الخطوات الإسرائيلية الأخيرة في المناطق الشرقية من القدس المحتلة. عن هذه القضية، قدّر بعض المشاركين من دول عربية أن إسرائيل ستنتهز الفرصة للمتغيرات الجديدة في المنطقة وتكثف أعمال البناء شرقي القدس، ثم سيجري سيناريو مساومة السلطة الفلسطينية على وقف البناء مقابل تنازلات أخرى.
على الجانب المالي، تعهدت الدول المانحة بتقديم 5,4 مليارات دولار على أن يخصص نصفها لإعمار غزة، لكنها عبرت عن مخاوفها من أن تذهب مساعداتهم سدى مرة أخرى «إذا لم يتم التوصل إلى تسوية دائمة للنزاع». وكانت قطر قد قدمت أكبر مساهمة وهي مليار دولار، فيما كان لافتاً أن السعودية لم تقدم أي تبرع، قائلة إنها أعلنت من قبل عن مساعدات قيمتها 500 مليون دولار.
أما الاتحاد الأوروبي فقال إن الدول الأعضاء فيه سيقدمون بإجمالي 450 مليون دولار خلال 2015، فيما قال كيري إن بلاده ستعطي 212 مليون دولار كمساعدات إضافية. كذلك تعهدت الكويت بتقديم 200 مليون دولار على ثلاث سنوات، وأيضاً الامارات قدمت مساعدة بـ200 مليون دولار. وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أنه سيزور غزة التي وصفها بأنها «لا تزال برميل بارود» يوم الثلاثاء.
وبينما عبّر الوفد الفلسطيني (من حكومة التوافق) عن ترحيبه بـ«النتيجة العظيمة» للمؤتمر، أعربت مصادر فلسطينية عن مخاوفها من تطبيق المقررات، خاصة أن الإعمار مرتبط بنجاح المصالحة مع «حماس». وقالت تلك المصادر لـ«الأخبار» إن المشكلة الحقيقية أن حركة «حماس» ليست موافقة بصورة كلية على المبادرة المصرية حتى الآن، «وهذا يخيفنا لجهة حدوث أمور في المستقبل تخرب ما أنجزناه». لكنها استبعدت أن تفعل «حماس» أي شيء يعيق عملية الإعمار «لأنه سيكون انتحاراً سياسياً».
على جانب آخر، حاول الرئيس المصري بعث رسائل متنوعة بين الطمأنة والتحذير، فهو أكد للجانب الفلسطيني أن القاهرة لن تتخلى عن القضية الفلسطينية مهما كانت الظروف، ومن ناحية أخرى حذر من نتائج «غضب المواطن الفلسطيني الذى يعيش مأساة العيش بلا وطن، وهي خطورة لا يمكن أن تتحمل عواقبها الأجيال المقبلة من الإسرائيليين». وقال السيسي خلال اجتماعه مع عباس: «يجب الوصول إلى تسوية نهائية عادلة وشاملة تضمن إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية»، كما شدد على أهمية الإسراع في تنفيذ عملية الإعمار.
في المقابل، أكد عباس أن الفرصة للإعمار ستكون للشركات الخاصة في قطاع غزة، وبشأن الدولة أكد أن غزة والضفة، بما فيها القدس الشرقية، تشكلان نطاقنا الجغرافي الذى نريد أن يرحل الاحتلال عنه».
ولم يخل البيان الختامي للمؤتمر من تأكيد مساندة المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة، مشددين على استعدادهم دعم سبل وقف النار عبر «حشد الدعم الدولي لإعادة إعمار غزة في إطار طويل المدى ويناسب تنمية فلسطين ككل». وشرح البيان أن هناك حاجة عاجلة إلى ٤١٤ مليون دولار للإغاثة الإنسانية، ثم ١،٢ مليار دولار لتعافي الاقتصاد كمرحلة أولى، إضافة إلى مبلغ ٢،٤ مليار دولار هو التكلفة المبدئية لإعادة الإعمار. كذلك أعلنت الدول المانحة موافقتها على خطة حكومة التوافق بشأن الإعمار، وضرورة أن يواكب ذلك دعم موازنة الحكومة نفسها للتنمية فى الضفة.
في ما يخص إسرائيل، شدد المشاركون على أنه لا يمكن إعادة إعمار غزة إلا بفتح إسرائيل المعابر وتسهيل التنمية الاجتماعية والإسراع فى الانتعاش الاقتصادي، وخاصة إزالة القيود بما يتيح للفلسطينيين التجارة بين غزة والضفة والدخول إلى أسواق العمل. كذلك أعلن الاتحاد الأوروبي استعداده لتقديم دعم ميداني يضمن الوجود في نقاط الدخول والخروج، إضافة إلى المساعدة فى بناء القدرات البشرية وتعزيز الربط بين الضفة وغزة براً وبحراً، وذلك على أن يمتنع «الطرفان، الإسرائيلي والفلسطيني، عن أي أعمال أحادية الجانب من شأنها أن تقوّض مفاوضات السلام المقبلة».