للمرّة الأولى في عهد ادارة اوباما، يثبت نائب الرئيس انّه ذو نفعٍ ما. في أكثر الادارات الاميركيّة، يُعتبر منصب نائب الرئيس شرفيّاً بامتياز، وتتمّ السخرية باستمرار من كون نائب الرئيس لا يملك أية سلطات فعلية، ولا تأثيراً حقيقياً الا بمقدار ما يستمع اليه الرئيس، كما في حالة ديك تشيني، او اذا ما قرّر أن يموت خلال ولايته، وهو ما صار احتمال حدوثه أقل بكثير مما كان عليه في القرن التاسع عشر. لهذه الأسباب، فإن دور نائب الرئيس كثيراً ما يقتصر على تمثيل «القائد الأعلى» في المناسبات المملّة.
جو بايدن، كأكثر من شغل المنصب، كانت عينه على الكرسي الأوّل. ولكنّه، لسبب ما، لم يملك ما يستلزمه الظفر بالرئاسة. في الانتخابات الاميركيّة، العامل الأهم في المرشح الفائز ليس الذكاء، أو القدرات الشخصية، ولا حتى البلاغة والبراعة في المناظرة؛ بل هو في امكانية تسويقه كرئيس. الجاذبية التلفزيونية، مثلاً، أهمّ بكثير لحصد الأصوات من الالمام بالسياسة الخارجية، والجمهور لن يعرف الفرق في كل الأحوال.
بهذه المقاييس، كان بايدن يملك «بروفايلاً» ممتازاً للرئاسة، مضافة اليه قصة مثيرة للعواطف عن سيناتور شاب تُقتل زوجته في حادثٍ تراجيدي خلال عطلة الميلاد، وقبل ايام من أدائه القسم كسيناتور، فيربي اطفالهما لوحده وهو يؤدي مهامه الشاقة ممثلاً للشعب. الّا أنّ بايدن كان يشكو عيباً قاتلاً، رافقه طوال حياته السياسية، ولعله لعب دوراً في منعه من الوصول الى الكرسي: في حالات كثيرة، كان لسان جو بايدن يزلّ، فيقول ما في رأسه.
حتّى نفهم اعتذار جو بايدن عن تصريحه، حيث اتهم «الحلفاء» بخلق حالة التطرف المسلح في سوريا، يجب أن نتذكر أن كلامه هذا لم يكن ملاحظة عابرة قيلت بلا تفكير، بل مداخلة طويلة من سبع دقائق أصرّ على القائها ردّاً على سؤال لم تكن له علاقة بالموضوع («هل كان على اميركا أن تتدخّل أبكر في سوريا؟»). هذا لا يترك مجالاً للشك في أنّ بايدن كان إمّا يردد خطاباً سائداً في البيت الأبيض، أو يتقصّد تسريب هذه النظرة الى الحرب في سوريا وترويجها، معتذراً هو بدلاً من الرئيس.
المفارقة هي أنّ الأمر الوحيد الذي يستحق الاعتذار في كلام الرجل كان انّه استثنى اميركا من تحالف الموت، كما لو أن شحن السلاح كان يحصل بعيداً عن أعين السي آي إيه، وكأنه لم يكن هناك ضباط اميركيون في «غرف الحرب» الخارجية. الا انّه يبدو أنّ اميركا قد وجدت منفعةً جديدة في حلفائها في منطقتنا: لوم «زلاتها» عليهم.