ليست المرّة الأولى التي "تهبّ" فيها نقابة عمال أوجيرو بتحريض من رئيس مجلس الإدارة ــ المدير العام لهيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف. في الظاهر، يبدو الإضراب الذي نفذته النقابة أمس لساعتين، وتحديد موعد إضراب ثان يوم غد الأربعاء، خطوتين محقّتين للمطالبة بتسديد الرواتب المتأخرة، إلا أنها في الباطن تختزل رسائل يوجّهها يوسف إلى مجلس الوزراء، الذي يعقد هذا الأسبوع جلستين ليس على جدول أعمالهما مشروع العقد الجديد بين وزارة الاتصالات وأوجيرو.نفذت أمس نقابة عمّال وموظفي أوجيرو إضراباً شمل العاملين في المقرّ الرئيسي والمكاتب الإقليمية. وقال رئيس النقابة جورج اسطفان في مؤتمر صحافي، إن هذه الخطوة تندرج في إطار الاحتجاج على مرور أكثر من أسبوع على موعد تسديد الرواتب "ولم يعرض مشروع سلفة الرواتب على مجلس الوزراء، وإذا عرض ونال الموافقة، فتسديد الرواتب يتطلب 10 أيام أو أسبوعين". وأوضح أن إدارة الهيئة ووزير الاتصالات بطرس حرب لم يتوانوا عن القيام بمسؤوليتهم تجاه العمال، فباشروا منذ مطلع شهر تشرين الثاني في الكتابة والمراجعة وإجراء الإحالات اللازمة لتأمين سلفة خزينة برواتب العمال، "لكن حتى اليوم لم يحالفهم ولم يحالفنا النجاح". ويشير اسطفان إلى أن مشروع السلفة حُوّل من وزارة المال إلى مجلس الوزراء منذ نحو أسبوعين، وأن هذا التحرّك يهدف إلى تجنّب التأخير في إقرار السلفة. ويطالب اسطفان رئيس مجلس الوزراء تمام سلام ووزير الاتصالات بطرس حرب، بأن يأخذا موضوع السلفة على عاتقهما ويؤمّنا الموافقة عليها قبل النظر بأي أمر آخر، "فهذا أمر روتيني ولا يستوجب المناقشة والجدل. كذلك نطالب الوزير حرب ووزير المال علي حسن خليل ومجلس الوزراء، بأن يعاد العمل بما كان سائداً، أي تأمين الرواتب بواسطة مساهمة مالية ضمن الموازنة".
في الواقع، يقول المتابعون إن الخلافات القائمة بين وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو حول موضوع تسديد الرواتب، هو أمر يتجدّد دائماً بين عبد المنعم يوسف ووزير الاتصالات أياً يكن. فالعلاقة بين الطرفين، هي علاقة تعاقدية محكومة بموجب العقد الموقع بينهما، والذي يتضمن تكليف أوجيرو بتنفيذ أشغال لحساب وزارة الاتصالات، على أن تسدّد هذه الأخيرة، وفق الأصول المتبعة، قيمة الأشغال المنفذة. وبحسب المعطيات المتداولة، فإن وزير الاتصالات بطرس حرب يؤكد أن المبالغ المتوافرة في حسابات أوجيرو تكفي لسداد الرواتب، فيما يصر يوسف على أن المبالغ المتوافرة في حسابات الهيئة لا يمكن المسّ بها لأنها مخصصة لمصاريف أخرى، وبالتالي يفترض بوزارة الاتصالات سداد الرواتب عبر سلفة مالية يقرّها مجلس الوزراء.
غير أن هذا الصراع أخذ شكلاً مختلفاً هذه المرّة لأسباب عديدة، أبرزها أنه يعكس صراعاً بين متحالفين في تيار سياسي واحد ويعملان على الموجة نفسها ولا مصلحة لأي منهما بالكشف عن نزاعهما علناً، وأنه يأتي بعد اتفاق بينهما على توقيع عقد جديد بين الوزارة وبين أوجيرو بالبنود والنصوص التي أرادها عبد المنعم يوسف، أي تلك التي تنتزع صلاحيات من مديريتي الإنشاء والتجهيز والصيانة والاستثمار في وزارة الاتصالات، إلى أوجيرو. إلا أن حرب يعلم بأن العداوات التي استقطبها يوسف، وآخرها مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ووزرائه، ستمنع إقرار هذا العقد الذي يفترض أن يعالج العلاقة المالية بين الوزارة وأوجيرو لأنه يضع الكثير من الصلاحيات بيد أوجيرو استناداً إلى المادة 147 من قانون المحاسبة العمومية.