على وقع الأنباء عن اقتراب «داعش» من مدينة عين العرب (كوباني) الحدودية، وافق البرلمان التركي، مساء أمس، على تفويض الجيش بشنّ عمليات عسكرية في سوريا والعراق. التفويض الرسمي جاء بعد بذل حكومة «العدالة والتنمية» جهداً استثنائياً لاسقاط النظام في سوريا، إذ ضرب رئيس الوزراء، حينها، رجب طيب أردوغان، مواعيد لرحيل الرئيس بشار الأسد، وتمنيات بقرب موعد صلاته في الجامع الأموي في دمشق.

«السلطان» دعم المعارضة السورية بالأسلحة والتدريب والايواء، مجنداً أجهزته الأمنية في سبيل تحقيق هدفه الذي كرّره قبل أيام: اسقاط حكومة الأسد أولوية.
اليوم بعد تراجع واشنطن ومعظم حلفائها عن اسقاط النظام السوري بالقوة ودعوتهم لإيجاد حلّ سياسي، وجدت أنقرة نفسها أمام فرصة لخوض مغامرة جديدة قربانها دماء السوريين، والسوريين الأكراد تحديداً، الذين يواجهون قوّات «داعش» المحاصرة لمدينة «عين العرب».
وصوّت البرلمان، بغالبية 298 صوتاً مقابل رفض 98، على مذكرة قدمتها الحكومة تقضي بتفويض القوات المسلحة التركية إرسال جنود إلى خارج البلاد، للقيام بعمليات عسكرية وراء الحدود، «إذا اقتضت الضرورة ذلك»، والسماح للجنود الأجانب باستخدام القواعد العسكرية الموجودة على الأراضي التركية.
وبعد إعلان التفويض، أكد وزير الدفاع التركي عصمت يلماز إن من غير المتوقع القيام «بخطوات فورية» عقب الموافقة على المذكرة. وأوضح يلماز أن الغرض من مذكرة التفويض بشأن سوريا والعراق «هو الحدّ من التأثيرات السلبية الناجمة عن الاشتباكات الدائرة قرب حدودنا»، مضيفاً «لقد فتحنا أبوابنا أمام أولئك الذين خسروا كل شيء والذين بالكاد استطاعوا الفرار بأرواحهم بسبب الحرب، ولكنه يجب النظر إلى أن فتح أبوابنا لإنقاذ الناس لا يمكنه أن يحلّ المشكلة»، في إشارةٍ إلى اللاجئين الأكراد.
«الشعب الجمهوري»: هذا التفويض يُراد من ورائه النظام السوري

جلسات البرلمان التركي التي تواصلت ثلاثة أيام، تزامنت مع تصاعد حدة المعارك على مشارف عين العرب، ما دفع زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان إلى الخروج عن صمته أمس، حين أعلن أن أي مجزرة تقع في كوباني ضد الأكراد على يد «داعش» تعني «انتهاء محادثات السلام» بين الحزب والسلطات التركية. وأضاف أوجلان، في بيانٍ أصدره وفد من قيادات «الكردستاني» بعد زيارته في سجنه في جزيرة ايمرالي، «إنه إذا نجحت محاولات تنظيم داعش في الاستيلاء على المدينة وارتكاب مجزرة فيها فإن ذلك يعني انتهاء محادثات السلام مع تركيا». ودعا الزعيم الكردي كل الأطراف التركية «التي تساند عملية السلام بين أنقرة والأكراد ولا تريد انهيارها»، إلى تحمل مسؤولياتها في كوباني ومنع حصول المجزرة.
وكان الصراع الداخلي قد احتدم حول المذكرة، فبعد الموافقة المبدئية لكلّ الأطراف الداخلية على المشاركة العسكرية لأنقرة ضد «داعش»، باستثناء حزب «ديموقراطية الشعوب» الكردي، أعلن حزب «الشعب الجمهوري» موقفه الرافض للمذكرة، بعد اطلاعه عليها. وأكد زعيم أكبر حزب معارض في تركيا كمال كليتشدار أوغلو أن حزبه سيصوت بـ«لا» على مذكرة التفويض. وقال «بكل تأكيد نحن لا نريد لجنودنا دخول أراضي دول أجنبية، فالشرق الأوسط نعرفه على أنه مستنقع، وبالتالي ليس هناك أي منطق لإدخال جنودنا في مستنقع كهذا».
وبعد هذه المداخلة النارية، ما كان من رئيس الوزراء أحمد داوود أغلو إلا أن اتهم «حزب أتاتورك» بالوقوف في صفّ «داعش»، حين قال: «إذا صوّت حزب الشعب الجمهوري بالرفض على مذكرة التفويض الخاصة بالأحداث في سوريا والعراق، فسأعتبره مع داعش».
من جهةٍ أخرى، وعلى نحو غير معتاد، نشر قائد الجيش التركي، أمس، رسالة دعم للجنود المكلّفين بمراقبة «الجيب التركي الصغير» في سوريا، أي المساحة التي تضمّ ضريح جدّ مؤسس السلطنة العثمانية سليمان شاه، في منبج في ريف حلب الشرقي، حيث كثر الحديث في الأسبوع الماضي عن اقتراب عناصر «داعش» من الضريح وأسر الجنود، ما نفته أنقرة لاحقاً. وكان أردوغان قد ندد، أول من أمس، «بمعلومات خاطئة» حول هذه المسألة، مؤكداً في الوقت نفسه أن بلاده سترد بشكلٍ «واضح» في حال تعرّض الموقع لهجوم. كذلك، كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد أكد في حديثه إلى الدبلوماسيين الأتراك الذين حُرروا بعد اختطافهم على يد تنظيم «داعش» في الموصل، أن خاطفيهم «سيدفعون ثمن ما فعلوه»، وأن تركيا لن تتيح الفرصة للأيادي «الخائنة والقذرة» التي تمتد إليها.
في السياق، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أمس، عن زيارة للمبعوث الخاص للرئيس الاميركي في «التحالف الدولي»، الجنرال جون آلن، ومساعده الدبلوماسي بريت ماكغورك، لتركيا ضمن جولة في المنطقة «في إطار الجهود لمكافحة داعش».
وأشارت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جينفر بساكي إلى أن المبعوث الخاص ومساعده سيبحثان مع المسؤوليين الأتراك انضمام المقاتلين الأجانب إلى «داعش»، ودور تركيا في التعامل مع الأزمة الإنسانية الناجمة عن الأوضاع في المنطقة، «والدور الذي يمكن أن تقوم به في مكافحة تمويل الإرهاب وانتشار الإيديولوجيات المتطرفة، وطبيعة الدور العسكري الذي يمكن أن تقوم به تركيا في مواجهة التنظيم».
وردّاً على سؤال حول ما إذا كانت واشنطن تدعم قيام منظمة «بي كا كا» الكردية بمحاربة «داعش» قالت بساكي إن المنظمة «لا تزال مدرجة على لائحتي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية»، مؤكدة أنه لا يوجد تغيّر في الموقف بهذا الخصوص.
وحول مجموعات «المعارضة السورية» التي تتواصل معها الولايات المتحدة، قالت بساكي إن بلادها على اتصال وثيق بـ«الجيش الحر» وبعدد من المجموعات «المعارضة المعتدلة» الكبيرة والصغيرة، مثل حركة «حزم»، ضمن جهود مكافحة «داعش».
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)