إنه الغزو الظلامي الجديد. غزو رأس الاستعمار في تاريخنا المعاصر. غزو له كل ما في تاريخ برابرة الغرب من حقد على شعوب الارض وعلى الثقافات الأخرى. إنه الغزو الهادف الى الإجهاز على كل حياة في هذه البلاد. وهو الغزو الذي تبرره حيلة اخترعها الاستعمار نفسه، وسمّاها انتفاضة باسم الدين على حكومات شابها الاستبداد لعقود.
إنه القرار الذي لا دخل للصبية في صنعه أو تنفيذه. من منهم يحمل المال يدفع صاغراً ويصفق. ومن منهم لديه حسابات ومصالح، ما عليه سوى الاختلاء بنفسه إذا قرر الاعتراض. وهؤلاء الذين ترد أسماؤهم في قائمة التحالف الشرير الجديد، ليسوا سوى الديكور الذي يحتاج إليه الوحش الغربي إطاراً صورياً في جريمة اغتصاب جديدة.
ليس مهماً، أبداً، السؤال عمن وافق ومن اعترض ومن سهّل ومن شارك. المهم هو محاولة إدراك ما يراد لهذه الغزوة الجديدة من نتائج.
الغزوة الجديدة تريد تدمير سوريا والعراق
وتشريد المزيد من شعبيهما

لا علامة واحدة تميز من يقوم بالغزو عمن تقرر أن الغزوة تستهدفه. أميركا وأوروبا الغربية والسلطنة العثمانية وممالك القهر، هي نفسها من قتل الملايين من البشر في كل أنحاء العالم. قتلوهم بالرصاص والسيوف والجوع وبالقنابل النووية وبالسموم على أنواعها. وهم ليسوا أفضل من «داعش» على الاطلاق. ليس بينهم، أصلاً، من يقبل بالرأي الاخر، وليس بينهم، أبداً، من يقبل بترك شعوب العالم تقرر مصيرها بنفسها. وليس بينهم من يعيش على قدر ما ينتج. كلهم، عبارة عن عصابة قطّاع طرق، يستولون بالقوة والحديد على مقدرات شعوب العالم، ويحكمون بالدم والنار دولهم وشعوبهم. وليس في تاريخهم القريب ما يمنحهم أي تفوق أخلاقي أو حضاري أو إنساني يسمح لهم بادعاء قيادة حرب الحرية لشعوبنا.
عملياً، جاء افتتاح العملية الجوية ضد مقار التنظيمات التكفيرية في سوريا مطابقاً لاستراتيجية تقوم على احتواء الوضع العام في سوريا والعراق، بعد سنوات من محاولات قلب الوقائع السياسية والعسكرية والاستراتيجية. وهي محاولات قادتها الولايات المتحدة بمعاونة دول الارهاب الاوروبية، وبتمويل وتحشيد من حلفائهم من عرب الجزيرة وبلاد الشام، وكان لإسرائيل دورها البارز فيها. كذلك تورطت فيها جماعات سياسية إسلامية وعلمانية كانت تدّعي طوال الوقت أنها تواجه الدكتاتور الذي فرضه الاستعمار على شعوبها. لكن هذه الجماعات صارت من أدوات الغزو البربري الجديد.
ببساطة، فشلت كل حروب أميركا والغرب ودول الخليج لاستعادة ما خسروه في العراق. وفشلت كل محاولات التعويض من خلال الفوز بسوريا. وها هم يخشون المزيد بعد ما حصل في اليمن أخيراً. وزادت خشيتهم بعدما نجح مقاومون بسطاء في قطاع غزة في هزيمة أقوى جيوشهم. لذا لم يعد في مقدورهم سوى طلب العون مباشرة من الغرب نفسه. وها هي أميركا تعود لتورّط نفسها في بلادنا، متجاهلة دروس العقد الماضي. لكنها مضطرة إلى لعب هذا الدور، لضرب أي تهديد لها أو لحلفائها، وتدمير كل عناصر قوتنا، ومن ثم سرقة مواردنا. أما أهداف هذه الغزوة فهي:
- يراد تأديب الصبي المجنون الذي تجاوز حدود ملعبه. يريدون القول لـ»داعش» وأخواتها إن مهمتهم محصورة في تدمير سوريا ومقاتلة السوريين والعراقيين. ولأن ثمة من سوّلت له نفسه البحث عن هوامش، فستتم معاقبته، وسيصار الى تعليم الآخرين أن خيارهم الوحيد هو الانضواء في المعسكر من دون جدال.
- يراد منع محور المقاومة من الدخول في مرحلة هزيمة المشروع الآخر، ويراد توجيه ضربات إليه إن أمكن، وهذا ما يحتاج، أولاً، إلى إطلاق حملة الشيطنة من عملاء السفارات الاميركية والفرنسية في بلادنا، الذين يهتمون اليوم فقط بالقول إن النظام في سوريا ومعه حزب الله يشبهان داعش شكلاً ومضموناً.
- يراد لشعبَي سوريا والعراق عدم الوقوف مجدداً، وتدمير كل ما بقي لديهما من مؤسسات وبنى تحتية واقتصاد ومظاهر دولة. ويراد تهجير ملايين جدد من أبناء العراق وسوريا وتشريدهم، في العالم القريب والبعيد، وتحويلهم الى متسولين، يبيعون أبناءهم وبناتهم في سوق السلطان الجائر.
لذلك، لا مناص، أمام من يرى بعينين واسعتين وبقلب قوي وعقل هادئ، من تحمّل تبعات المواجهة الشاملة ضد الخصمين الظلاميين. ليس أمامنا سوى مواجهة الغزو، ومواجهة التكفيريين من أتباعه.
يبقى قدرنا... مقاومة!