هاني فحص سيد الحوار والتلاقي، صاحب القلم النابض بالقلق المعرفي والتوتر الدائم، انتمى إلى جيل جنوبي مكافح بعرقه وخبزه وصمته الصاخب. من جبشيت مسقط رأسه، أتى حاملاً سيرته التي تضج بحكايا جبل عامل. أدرك جمالية التعددية، فلم يستطع إلاّ أن يكون ذاتاً في آخر. بعد “مرحلة من مراحل الانغلاق” قال يوماً “كل شراييني وأوردتي نظيفة من التعصب وأتعامل مع الآخرين على أساس فردي، وأحمد الله على نعمة أنّ هناك جيلاً من الشباب الدرزي والمسيحي والسني والشيعي يتعامل معي، كما أني أحدهم وبمستوى روحي عالٍ”.
وأكد ذلك حين قال: “أنا هاني فحص من قرية جبشيت، لبناني مسلم عربي شيعي إنساني. الآخر ليس عابراً في وعيي وتكويني. الآخر المختلف ساكن ومقيم في عقلي وقلبي. هو سؤال يلزمني يومياً أن أتعرف إلى ذاتي، وأن أفكك الصورة النمطية لذاتي عن ذاته”.
من الجنوب، تلقى الدراسة الابتدائية والمتوسطة في النبطية. تابع تعليمه الثانوي وسافر إلى النجف عام 1963 ودرس في حوزتها، ونال إجازة في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية الفقه فيها. بعد رحلة العلم، عاد إلى لبنان إماماً لبلدته جبشيت. شارك في تأسيس وتفعيل منتدى أدباء جبل عامل مع عدد من الأدباء والشعراء الجنوبيين.
لم يكن فحص إماماً متعبداً فقط. كانت له مواقفه ومشاركته السياسية في ثورات مطلبية ضمن محطات عدة في حياته. ثار مع المنتفضين في انتفاضة مزارعي التبغ المطلبية عام 1972. كانت له وقفة مع حركة «فتح» أثناء وجودها في لبنان ولم يتخلّ عن انتقاداته لدورها في الحرب الأهلية اللبنانية. التقى الإمام الخميني مراراً قبل الثورة، ورافق عرفات على متن أول طائرة تحط في مطار طهران بعد الثورة الإسلامية. لم يتوقف هنا، فهو من الأعضاء المؤسسين لـ«الفريق العربي للحوار الإسلامي _ المسيحي» وعضو في «منتدى الوسطية» (عمان) وفي «الهيئة الشرعية للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى».
يدرك عارفوه أنه على إلمام شديد بأسرار متدفقة باح بجزء منها في مؤلفاته، وخصوصاً تلك التي تتخذ نمط السيرة مع الشخصيات والأعلام التي عاصرها، فكتب عنها ومن أجلها. في «ماض لا يمضي» (الجزء الأول صدر 2008 والجزء الثاني 2010)، تحدث عن ترحاله وشخوصه بلغة روائية تشد القارئ بإيقاعها وتوترها وحضورها، وهو الذي تمنى أن يكون روائياً يسيطر عليه شوق دائم إلى الماضي الذي بدا له أكثر صفاءً ونقاءً من الحاضر الثقيل. يقول في الجزء الأول من «ماضٍ لا يمضي»: “حاولت جهدي أن التزم باختيار ما كتبته عن مكوناتي وذكرياتي العراقية، لتكون مادة هذا الكتيب الذي أقدمه للقارئ دليلاً على أني أتعدى واجب الوفاء لهذه المكونات والذكريات، إلى ما يكاد أن يكون إشهاراً لمواطنتي العراقية التي لا تقل عن مواطنتي اللبنانية عمقاً ووهجاً».
يعتبر فحص أول رجل دين يكتب عن زوجته “أم حسن” أو “الزوجة بيتاً” في الجزء الثاني من “ماض لا يمضي”. لا يشير إلى اسمها مباشرة. هو افتخر بذلك، فكسر «الحاجز الهجين والغريب فعبّر عن حبه لها واحترامه وشراكته، نادماً على أنه لم يعطها حقها تماماً».
وضع فحص مؤلفات عدة؛ منها: “الحوار في فضاء التوحيد والوحدة” (1996)؛ “الشيعة والدولة في لبنان ـ ملامح في الرؤية والذاكرة” (1996)؛ “في الوحدة الإسلامية والتجزئة” (1986)؛ “نحو أدب إسلامي حقيقي _ المسرح” (1986)؛ “اقتراض الشعر لا قرضه” (2014) “الإمامان الصدر وشمس الدين: ذاكرة لغدنا” (2008)، “أوراق من دفتر الولد العاملي” (1979)، “مقيمون في الذاكرة” (2012).
كان السيد كما يصفه المفكر العراقي عبد الجبار الرفاعي “الصديق الصدوق، رسول المسلمين للسلام ورسول السلام للمسلمين. رسول الإسلام للمسيحية، ورسول المسيحية للإسلام، رسول الشيعة للسنّة ورسول السنة للشيعة، رسول لبنان في العراق، ورسول العراق في لبنان، رسول لبنان في العالم العربي، ورسول العالم العربي في لبنان”.