في «حربها الكونية ضد الإرهاب» بقيادة جورج والكر بوش، أطلقت واشنطن ما يشبه الحروب الصليبية بعد هجمات ١١ أيلول ٢٠٠١. حروب في أفغانستان وباكستان ثم غزو العراق ثم ليبيا، تحدد الولايات المتحدة أعداء من اختيارها تهاجمهم وتقضي عليهم، وحلفاء من اختيارها أيضاً في الشرق الأوسط تغدق عليهم المال والسلاح، تشنّ عمليات عسكرية لا تحقق أياً من أهدافها المعلنة وترسي احتلالات و... تكثر من الكلام عن الديموقراطية.
دمّرت واشنطن السلطات الحاكمة في الدول الثلاث التي تدخلّت فيها (أفغانستان، العراق، ليبيا) وزعزعت استقرار الدول المجاورة ثم عمّمت الفوضى على المنطقة بأكملها. ألا يمكن تسمية كلّ ذلك بـ«الجهاد الأميركي»؟ ألا يمكن اعتبار ما فعلته واشنطن محاولة لإقامة «خلافة» أميركية في المنطقة؟ (واشنطن تستخدم كلمات أنعم لوصف ما تفعله).
من هذه الزاوية انطلق الصحافي توم إنغلهاردت ليشرح في مقاله «كيف صنعت الولايات المتحدة داعش». هو يرى أن هناك تشابهاً كبيراً بين واشنطن و«داعش»، كيف لا وقد تسببت الأولى بولادة الثانية! بعد التشابه بالأهداف ينتقل إنغلهاردت ليلفت الى التشابه في الصورة بين الطرفين. فيذكّر بـ«المكتبة الأميركية» الحافلة بالصور والأشرطة التي لا تقلّ شناعة عن تلك التي تنشرها «داعش»: صور سجن أبو غريب، أشرطة «سجون سي آي إي السوداء»، أشرطة استهداف المروحية الأميركية لمدنيين عراقيين وصحافيين الذي سرّبته «ويكيليكس»، صور الجنود الأميركيين يبوّلون على جثث أفغانيين، صور الأشلاء التي أحضرها معهم الجنود الى منازلهم للذكرى، أشرطة قصف الطائرات من دون طيار. كل ذلك برأي الكاتب أدّى الى تهيئة البيئة الحاضنة لمجموعات متطرفة وتأمين كافة الظروف لخلق الوحش الداعشي. «بعد ١٣ سنة على الحرب الإقليمية التي أطلقناها والاحتلال والتدخل في المنطقة ساهمنا بشكل أساسي في إخلاء الساحة لداعش»، خلص إنغلهاردت. وأضاف: «قد يكون التنظيم أحد أسوأ كوابيسنا... لكنه أيضاً إرثنا».