يوسي نيشر* تمهيداً لخطاب الرئيس باراك أوباما اليوم، يبدو أن الإدارة الأميركية تحاول عبر القنوات الإعلامية خفض سقف التوقعات في الشارع الأميركي بالنسبة إلى نتائج الحملة الدولية المتبلورة ضد تنظيم «داعش»، وأيضاً بالنسبة الى سرعة تنفيذها.
مسؤولون في إدارة أوباما، في حديث إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، لا يستبعدون استمرار الحملة الدولية لمواجهة «داعش» ربما لأكثر من ثلاث سنوات، ما يعني أن استكمال المهمة ينتظر الرئيس الأميركي المقبل بعد أوباما الذي يتميّز بسياسة تأجيل الملفات الخارجية الساخنة.

أوباما الذي ركّز في بداية ولايته على سياسة الابتعاد عن الأزمات الخارجية وتجنّب التدخل العسكري، يجد نفسه اليوم مضطراً إلى قيادة تحرك عسكري دولي أولاً في العراق، وثانياً في سوريا التي لم يبلور استراتيجية في شأنها بعد أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الحرب فيها. التحرك العسكري الدولي المتبلور يتزامن مع استطلاعات للرأي العام الأميركي تشير إلى تراجع حادّ في شعبية الرئيس وإلى ارتفاع حاد في نسبة الأميركيين المؤيدين لفكرة توجيه ضربات جوية في العراق وسوريا لمواجهة تنظيم «داعش». التحوّل في موقف الجمهور الأميركي تزامن مع أشرطة الفيديو التي بثها التنظيم وتظهر ذبح الصحافيين الاميركيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف، وأيضاً مع الانتقادات المتزايدة التي يتعرض لها أوباما حول سياسته المترددة في الشؤون الخارجية.
حسب المصادر الأميركية، الحملة الدولية المتبلورة تتضمن ثلاث مراحل رئيسية: الأولى انطلقت بالفعل: مئة وخمسون غارة جوية أميركية في الشمال العراقي لحماية المصالح الأميركية في بلاد الرافدين.
أما المرحلة الثانية التي يجري الانتقال اليها الآن، بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي، فتركز على تدريب وحتى تسليح الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية والعشائر السنية في العراق.
لكن المرحلة الثالثة والأخيرة هي، بدون شكّ، الأكثر تعقيداً ميدانياً وسياسياً: والهدف تدمير معاقل «داعش» في سوريا، علماً بأنّ التنظيم سيطر على مناطق استراتيجية في الشمال الشرقي السوري، واستولى على عدد من حقول النفط. وبحسب مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية، فإنّ هذه المرحلة قد تستغرق ثلاث سنوات، بمعنى أن استكمالها ينتظر الرئيس الأميركي الذي سيأتي بعد أوباما. كل ذلك وسط شبه إجماع في الساحة الأميركية على استبعاد العملية البرية، ما قد يثير شكوكاً لدى البعض حول إمكان تدمير «داعش» من دون التدخل البري.
التحالف الدولي لمحاربة «داعش» الذي يسعى وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى بلورته، خلال جولته الشرق أوسطية، يشمل، حسب المصادر الاميركية، حوالى 40 دولة. وتشير هذه المصادر إلى أنّه خلافاً للحملة الدولية التي أدت الى سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا حين كان أوباما يتبنى سياسة ما وصف بـ«قيادة الحملة من الوراء»، فإن واشنطن ــ أوباما ستشكّل اليوم محور التحالف المتبلور الذي يضمّ، أولاً: مجموعة من الدول الغربية من حلفاء واشنطن وعلى رأسهم ألمانيا وأستراليا وفرنسا وبريطانيا والدنمارك.

من دون تنسيق
مع دمشق، على أي جهة تعتمد واشنطن لمحاربة «داعش»؟


ثانياً: مجموعة من الدول العربية على رأسها السعودية، وذلك لنفوذها الكبير في أوساط العشائر السنية في العراق وسوريا، وبسبب تمويلها للمعارضة المعتدلة في سوريا، الى جانب دولة الامارات العربية المتحدة. وبحسب المصادر الأميركية، فإنّ التحالف الدولي سيشمل الأردن في شكل أو آخر (تنسيق استخباري وغيره من أنواع التنسيق)، وذلك وسط قلق إقليمي ودولي من سيناريو محاولة «داعش» توسيع نفوذها من سوريا الى الأردن. هناك غموض حول مسألة ضم تركيا الى التحالف المتبلور: وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل يصل الى أنقرة هذا الأسبوع في محاولة لإقناع الرئيس المنتخب رجب طيب أردوغان بتحويل تركيا من نقطة دخول المسلحين الأجانب الى سوريا، إلى نقطة انطلاق للطائرات الأميركية من قواعد جوية تركية، لشنّ غارات على معاقل «داعش» في سوريا.
السؤال الكبير الذي لا يزال ينتظر الجواب: مسألة التنسيق بين واشنطن وبشار الأسد وحلفائه، وعلى رأسهم طهران، لمواجهة «داعش» في سوريا. تقارير متضاربة كانت قد تحدثت عن نوع من التنسيق وحتى التعاون بين الولايات المتحدة وإيران في مواجهة «داعش». طهران قد دفعت بعض الثمن بفقدان حليفها في بلاد الرافدين نوري المالكي، وتخشى من سيناريو فقدان حليفها السوري بشار الأسد. لكنها قد تعوّض خسائرها المفترضة بتنازلات أميركية في مفاوضات الملف النووي وهو، كما هو معروف، السيناريو الذي يقلق إسرائيل.
عدد من الدول الغربية والعربية تشترط مشاركتها في التحالف الدولي لمحاربة «داعش» في سوريا برحيل بشار الأسد. ولكن السؤال الكبير، بدون تنسيق مع نظام الأسد: على أي جهة تعتمد واشنطن في محاربة «داعش» في سوريا؟ لا سيما أن ما يوصف بالمعارضة المعتدلة، وعلى رأسها «الجيش الحر» و«الائتلاف» المعارض، لم تثبت فعاليتها عسكرياً أو سياسياً منذ انطلاق الحرب في سوريا، وذلك بسبب الانقسامات الداخلية في صفوفها التي زادت من تردّد إدارة أوباما حيال فكرة دعمها عسكرياً. لذلك السؤال الكبير المطروح اليوم: هل الواقع السياسي والميداني السوري يخيّر أوباما بين الأسد من جهة و«داعش» من جهة أخرى؟ هل هناك خيار ثالث؟
* محرر الشؤون الشرق أوسطية في الإذاعة الإسرائيلية