لم يتغيّر إيقاع جوليا بطرس الغنائي، ولم يتبدّل مع تطوّر الفنّ وأدواته. تعرف الفنانة اللبنانية جيداً ما يليق بطبقة صوتها من دون أن تتخطّى الخطوط الحمراء التي رسمتها بنفسها. لا تتحدّى نفسها أبداً، كأن تُقدم على تسجيل أغنيات إكراماً لأيّ موضة غزت الساحة. لا تُرضي جوليا ذوق غيرها، ولا تقتنع بالأفكار بسهولة. في ألبومها الجديد «حكاية وطن» (كلمات نبيل أبو عبدو، وألحان زياد بطرس وتوزيع ميشال فاضل) الذي طرح الشهر الماضي، مشت صاحبة «تعوّدنا عليك» على نوتة فنية ثابتة وشبيهة بأغنياتها السابقة بدءاً من «غابت شمس الحقّ» وصولاً إلى آخر لحن غنته. لا تحتاج إلى الكثير من الكلام للتعريف بالخط الفني الذي تنتهجه. فهي تستمع إلى كلمات الأغنيات مع شقيقها زياد، ومن ثم تأتي الموافقة على العمل بنعم أو لا. لا تأخذ الفنانة الكثير من الوقت كي تقرّر غناء مشروع معيّن، يكفي أن تكون العبارات قريبة من الواقع لتدخل قلبها بسرعة. من نبض الشارع، تطلب الفنانة تأليف أغانيها، لتكون في متناول الجميع سواء المثقّف أو الإنسان العاديّ.
هذا الكلام ينطبق على «حكاية وطن» الذي تضمّن أغنيات «الحق سلاحي»، و«أشرف إنسان»، و«الأفضل نبعد»، و«إنزع وجه الكذب»، و«حكاية وطن»، و«كان قلي»، و«لو سلّمتك قلبي»، و«طلّ وشرّف» و«يكون بعونك»، وكلّها من ألحان شقيقها زياد وكلمات نبيل أبو عبدو وفادي الراعي.
شكّلت جوليا مع الثلاثي (عبدو والراعي وبطرس) فريق عمل كاملاً صمّم وألّف الألبوم الجديد الذي يلقى صدىّ طيباً بين الناس. تقاسمت المقاومة والرومانسية الألبوم بالتساوي، وحاولت الفنانة أن تعدل بينهما، من دون أن تميل الكفّة لواحدة. في الجانب المقاوم، أكّدت جوليا أن «الحقّ» سلاحها، وأنّ «الوطن» عبارة عن حكاية حزينة تكتب لحظات يائسة. كما تغزّلت بـ «أشرف الناس» الذين قد يكونون المقاومين أو أي انسان شريف بنظرها. أما في الجانب العاطفي وهو الغزير الذي لا ينضب لدى جوليا، فقد سألت حبيبها عما ستكون نتيجة علاقتهما لو «سلّمته قلبها»، وتقترح عليه حلّ الفراق، وتقول له «الأفضل نبعد».
كان الألبوم هادئاً نوعاً ما، وجميع الأغنيات متوازية من ناحية اللحن والعبارات، مع ارتفاع حدة صوت الفنانة في الأعمال الوطنية. لم يحفظ جمهور جوليا بعد أغنيات «حكاية وطن»، لكن أكثر عمل رسخ في ذاكرته هو «الحقّ سلاحي»، لأنّ الأغنية تزامنت مع الحرب الاسرائيلية الأخيرة على غزة، وقد حملت قناة «الميادين» تلك الأغنية شعاراً خلال تغطيتها للعدوان واستخدمتها كفواصل خلال هذه المرحلة.

تقاسمت المقاومة والرومانسية الألبوم الجديد بالتساوي



في زمن لم يعد للكلمات الوطنية فيه من مكان، جاءت «الحقّ سلاحي» لتضع النقاط على الحروف، وتُكمل المسيرة التي انطلقت بها جوليا عام 2006 مع «أحبائي» (صاغها غسان مطر ولحنها زياد بطرس).
لكن في الحفلة التي ستحييها الليلة وغداً على «مسرح بلاتيا» (جونية)، لن يكون «حكاية وطن» وحده الحاضر وسيّد الأصداء. ستغني صاحبة «شي غريب» قديمها الذي يعد بمثابة الأرشيف الدسم الذي تفتخر فيه الفنانة، وحفظه الجمهور غيباً. في السهرة التي تفصلنا عنها ساعات، حجزت جوليا مكاناً للاستمتاع بـ «يا قصص» و«وقف يا زمان» و«غابت شمس الحق»، وغيرها من الأغنيات التي لا يشعر المستمع بالملل منها. بالنسبة إلى البعض، هي بمثابة ذاكرة الشباب، ومعاناة الحبّ والفراق والخيانة.
في شباط (فبراير) 2012، كانت الإطلالة الأخيرة لجوليا أمام جمهورها اللبناني (مسرح بلاتيا). أما اليوم وغداً، وفي المكان نفسه، فتحيي الفنانة سهرتين بعد غياب عامين على التوالي عن الساحة اللبنانية. من المعروف أنّ جوليا تخصّص سهرة كل سنتين، تظهر فيها على جمهورها وتغيب عن السمع فترة طويلة، وقد يلومها بعضهم على غيابها، واعتكافها عن التصريحات الإعلامية.
لا تنشغل صاحبة «يوماً ما» حالياً في تصوير أيّ كليب قد تتعاون فيه مع شقيقتها صوفي، فقد هزّت الأخيرة الجانب الرومانسي في شخصية شقيقتها عندما أخرجت لها كليب «لا بأحلامك».
تركيزها حالياً منصبّ على متابعة أصداء «حكاية وطن»، على أن تكون إطلالاتها اللاحقة في العامين المقلبين. باختصار، الألبوم المتوافر في الأسواق هو سلسلة متكاملة من نَفس جوليا المعهود، ولن يطلب المستمع أن تغيّر من خطّها أو نهجها الفني، لأنه يعلم أن ذلك الطلب محال.

* «حكاية وطن»: 21:00 الليلة وغداً (السبت) ـــ «مسرح بلاتيا»
(جونيه) ـــ للاستعلام: 09/831666




شمس الحق لم تغب

منذ انطلاقتها، ارتبط اسم جوليا بطرس بالأغاني الملتزمة الداعمة لمقاومة المحتل. البداية كانت «غابت شمس الحق» التي قدّمتها عام 1985، وتحوّلت إلى نشيد غضب ضد قتل الأبرياء مع استمرار المجازر الإسرائيلية. مثلت «وين الملايين» محطة بارزة بعدما غنّتها مع الممثلة السورية أمل عرفة، والمغنية التونسية سوسن الحمامي للتعبير عن سكوت العالم أمام المعاناة الفلسطينية، لتنفرد في تأديتها لاحقاً. وفيما كانت آلة الحرب الإسرائيلية دائرة في لبنان في 2006، انضم عمل جديد إلى اللائحة تحت عنوان «أحبائي». أغنية استوحتها الفنانة من رسالة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله إلى المقاومين خلال «حرب تموز». الأمر نفسه تكرّر مع العدوان الإسرائيلي على غزّة، إذ أعدّت كليب «الحق سلاحي» (إنتاج «الميادين») دعماً للقطاع المحاصر، كما ضم ألبومها الأخير «حكاية وطن» أغنيات وطنية بينها «حكاية وطن»، فضلاً عن أعمال سابقة مثل «مقاوم» و«أطلق نيرانك»، «نحن الثورة والغضب»، «قاوم فيداك الإعصار»، و«يا ثوار الأرض».



مغنية رومانسية أيضاً

في موازاة مناهضة الاحتلال والظلم بصوتها، يضم
أرشيف جوليا بطرس باقة منوّعة من الأغاني الرومانسية التي طبعت قصص حب عدة. قصص حارت بين مشاعر مختلفة، لا بل متضاربة أحياناً. مرّة نجد جوليا تغني الاشتياق، والشغف، ومرّة أخرى اللوعة، والخيانة، والفراق، والغضب، وأحياناً كثيرة تكون امرأة صلبة متمرّدة على حبيبها، أو رقيقة تعبّر عن حاجتها إليه... من منّا لم يردد «يا قصص» و«وقّف يا زمان»؟ وكم عاشقاً غنّى «وين مسافر» قبل أن يفارق حبيبه؟ كثيرون عبّروا عن شدّة غرامهم عبر «حبيبي»، و«قالوا مشينا»، و«شي غريب»، و«تعوّدنا عليك»، و«بتعرف شو الحلو فيك»، و«بين الولدنة والجد»، و«وعد عليّ»، و«مش كلمة على ورق». آخرون وجدوا ما يمثّلهم في أغنيات «خلص انتهينا»، و«أنا مش إلك»، و«أوعا تكون نسيت»، و«بصراحة»، و«لا بأحلامك»، و«لو سلّمتك قلبي»، و«ما مرق». وإذا كانت المساحة التي تدور فيها أعمال جوليا بطرس واسعة، يبقى الأكيد أنّها نجحت في الجمع بين موضوعين رئيسيَيْن: المقاومة والحب!