كان لافتا أن يبدو رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده أول من أمس كأنه يخوض مواجهة على جبهتين، الأولى مع قطاع غزة، والثانية في مواجهة شركائه في الحكومة واليمين الإسرائيلي، وهو أمر عكس حدة الصراع الداخلي وحجم التجاذبات الحزبية وأثرها في عملية صنع القرار السياسي والأمني، كما أنه يؤكد فرضية الحضور الأساسي للاعتبارات الداخلية، في حسابات نتنياهو، أكان ذلك في المعركة السياسية التي يخوضها في القاهرة، أو على أرض الميدان.
في سياق كهذا، عادة يحتاج المتربصون ببعضهم بعضا إلى المزيد من الأوراق. وما لم يحققه نتنياهو، الذي كان يتمنى أن يطل على الجمهور الإسرائيلي وبيده ورقة اغتيال القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف، نجح «الشاباك» والجيش في توفيره أمس، عبر اغتيال ثلاثة قادة من «القسام». وبرغم قساوة هذه الضربة، فإنها لن تغير مجريات المعركة، لكنها قابلة للتسويق أمام الجمهور الإسرائيلي، الذي يشتكي من استمرار إطلاق الصواريخ.
ارتباطا بذلك، تلقى نتنياهو استشهاد القادة الثلاثة ببيان أثنى فيه على «الإنجاز» الذي نفذه الجيش و«الشاباك» على مستوى التنفيذ أو المعلومات الاستخبارية، كما لم يفته وضع هذه العملية في سياق «إحباط سلسلة طويلة من العمليات الإرهابية التي خططت لها حماس». أيضا، كان لوزير الدفاع، موشيه يعلون، حصته في الإشادة بالأجهزة الأمنية، فأكد أن «قادة حماس الذين جرت تصفيتهم يتحملون المسؤولية عن الكثير من العمليات التي نفذت ضد المستوطنين وجنود الجيش».

عادت حكومة
العدو إلى محاولة الردع باستدعاء 10 آلاف جندي احتياط


وحاولت إسرائيل استغلال الزخم الذي حققه نجاح الاغتيال، لتؤكد أن قادة «حماس» السياسيين والعسكريين في الداخل والخارج كلهم ضمن دائرة الاستهداف، وهذا في مسعى تعزيز المفعول الردعي والنفسي لهذه العمليات، وما قد تنجح في تنفيذه لاحقا.
وبرغم تأكيد نتنياهو رفض التسليم بحرب الاستنزاف التي تعد بها المقاومة، فإن التدقيق في المواقف التي أدلى بها، فضلا عن الأداء العملاني لجيشه، يؤكدان أن الرد الإسرائيلي لا يخرج، حتى الآن، عن هذا الإطار، لكن حكومة العدو تراهن على خطوات، من قبيل استدعاء الاحتياط على دفعات، تؤدي مفعولها الردعي في الساحة الفلسطينية. هذا المسار يذكر بالمسار الذي سلكته المواجهة منذ أكثر من أربعين يوما، عندما تدرجت الحكومة الإسرائيلية في استدعاء الاحتياط على مراحل، وصولا إلى المعركة البرية. وفي هذه الأجواء، جرت الموافقة على استدعاء 10 آلاف جندي للخدمة بطلب من الوزير يعلون.
ويمكن القول إن الخيار السياسي والعملاني الذي يتبعه نتنياهو، كان ولا يزال مادة إشكالية في الساحة الداخلية لديه. هنا نقلت صحيفة «هآرتس» عن أن الانتقاد الذي وجهه وزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، إلى سياسة نتنياهو، أدى إلى مواجهة بينهما خلال جلسة المجلس الوزاري المصغر، إذ طالب بينيت بوقف الاتصالات مع «حماس»، فوبخه نتنياهو وطالبه بالتوقف عن انتقاد قرارات المجلس عبر وسائل الإعلام، كما كان لوزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، نصيبه من التوبيخ.
في المقابل، ردت صحيفة «يديعوت احرونوت»، على انتقادات نتنياهو لخصومه بزعمه أنه عندما كان رئيسا للمعارضة البرلمانية دعم دوما رئيس الحكومة خلال الحرب. وأوضحت الصحيفة أن نتنياهو نسي الإشارة إلى أنه فور انتهاء حرب «الرصاص المصبوب»، هاجم حكومة أيهود أولمرت «لأنها لم تدمر حماس». ووعد آنذاك بأن «حكومة برئاسة الليكود ستفعل ذلك، لأن إسرائيل لا تستطيع على المدى الطويل التسليم بوجود قاعدة إرهاب إيرانية تديرها حماس».
أيضا، واصل نتنياهو سياسته الدعائية التي يحاول فيها الربط بين فصائل المقاومة والإرهاب الذي تمارسه «داعش»، ورأى خلال استقباله عضو الكونغرس الأميركي، دارل عيس، أن الحركات الإسلامية المتطرفة تمثل تهديدا للعالم أجمع. وأكد أنه يجب على إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية المعتدلة الوقوف جبهة واحدة في وجه «الإرهاب الإسلامي الأصولي».
وضمن السجالات الداخلية،هدد عضو الكنيست عن حزب «الليكود»، داني دانون، رئيس الحكومة، بظهور منافسين له على قيادة الحزب إذا لم يستيقظ و«يغير الديسك»، ودعاه أيضا إلى ترك مقولة «الهدوء يقابل بالهدوء». أما وزير الاستخبارات، يوفال شطاينتس، وهو مقرب من نتنياهو، فدعا إلى تأليف حكومة وحدة ذات قاعدة برلمانية واسعة، مبررا ذلك بالتطورات الدراماتيكية في الشرق الأوسط. وهو سيناريو، يمنح نتنياهو هامشا واسعا من المناورة في مواجهة ضغوط اليمين المتطرف.
في المقابل، أعرب وزير الداخلية عن «الليكود»، غدعون ساعر، عن اعتقاده بأنه لن يكون هناك أفق سياسي من دون دحر حركة «حماس»، مؤكدا أن المجلس الوزاري المصغر يعارض التوصل إلى اتفاق مع هذا التنظيم. ورفض ساعر الانتقادات التي وجهها نتنياهو إلى بعض أعضاء المجلس لإدلائهم بتصريحات للإعلام ضد سياسته، مؤكدا أنه من واجب الوزراء التعبير عن رأيهم بصفتهم ممثلي الجمهور.