اختبر الياس سابا الإصلاح «من الداخل» مرات عدّة. كان أبرزها عام 1970 عندما عيّن وزيراً للمالية وللدفاع في حكومة صائب سلام مطلع عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية، وفي 1991 حين كان نائباً في البرلمان معارضاً لمشروع قانون «سوليدير»، وفي 2004 عندما عيّن وزيراً للمالية في حكومة عمر كرامي. لم تسعفه شراسته في وجه التجّار في فترة ما قبل الحرب الأهلية، ولا في وجه تحالف الميليشيات والمصارف ومن أسماهم «متعهدي الخليج» في المراحل اللاحقة. تجربة دفعته إلى توصيف تطوّر القوة المانعة للإصلاح، من تجّار أغلقوا البلد تسعة أيام احتجاجاً على قرار فرض رسوم جمركية تشمل 545 سلعة، إلى تحالف أحكم السيطرة على القرار السياسي. ففي السابق كانت العلاقة بين القوّة الممانعة للإصلاح والقانون والحقّ مبنية على «الصحبة»، ثم بات يندر أن يكون هناك احترام للقانون والحقّ. في كل المرّات اصطدم بقوّة النظام المتأصّلة في بنية النظام اللبناني.لم يكن الياس سابا وحيداً في معركة الإصلاح من الداخل، إنما كانت هذه القواعد المتاحة. يوم وقف في وجه التجّار، كان أمله أن يصلح بعضاً من تشوّهات الاقتصاد الذي تطغى عليه الخدمات والمكشوف على الخارج بدرجة كبيرة. لم يتعايش مع خيارات النظام الذي لم يكن يستوعب سوى خيار تركيز الثروة والدخل بيد فئة على حساب الفئات الأخرى. أثرى النظام أعضاء تحالفه، ووسّع الفجوة بينهم وبين سائر الشرائح. وسّعها على الدوام منذ السبعينيات إلى ما بعد الانهيار الأخير. هذه الفجوة كانت تمثّل واحدة من مخاوف سابا، وأبرز الأمثلة عليها هي تلك التي حصلت عام 1991 حين وقف في مجلس النواب إلى جانب بضعة زملاء ضدّ مشروع إنشاء الشركة العقارية لتطوير وإعمار وسط بيروت. «الأكثرية» كانت ضدّهم، رغم أن النقاش الذي أثير عن مشروع القانون 117 الذي ينشئ الإطار القانوني لهذه الشركة، يؤدي إلى نزع ملكية الأفراد لمصلحة شركة خاصة وليس للمصلحة العامة، إضافة إلى إعفاء الشركة من الضرائب والرسوم لمدّة عشر سنوات، وتهجير أصحاب الأملاك بقرارات لجان تخمين مبرمة لا تقبل الطعن... إلا أن المشروع مُرّر بمادة وحيدة.
في آخر حكومة شارك سابا فيها تولى حقيبة المالية، وأعدّ مشروع قانون للموازنة العامة يخفض العجز، وبالتوازي أوفد شربل نحاس وألان بيفاني إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لشرح حقيقة وضع لبنان بعد سنوات على الاستدانة وشراء الاستقرار بالدَّين. واجه مافيا الفيول، وسدّد متأخرات الضمان ومؤسسات المياه ومجلس الإنماء وغيرها. في أربعة أشهر فعل الكثير، لكن جاء اغتيال رفيق الحريري ليخلق حالة طوارئ مالية ونقدية وسياسية أتاحت لتحالف الميليشيات والمصارف الانقلاب. فاستقالت حكومة كرامي باستقالة رئيسها، وعيّن نجيب ميقاتي الذي رمى موازنة سابا في الأدراج.
في السياسة، حرص على موقعه العروبي، وتعاون سياسياً مع قوى يسارية وعلمانية، وكان يتحدث عن المقاومة كخيار ضروري لتحرير الأرض، وفي آخر أيامه عارض كل الذين يطالبون بسحب سلاح المقاومة.

* غيب الموت أمس، النائب الياس سابا عن عمر 94 سنة، ويوارى الثرى في بلدته كفرحاتا في قضاء الكورة.