بعد وقت قصير على إصدار القضاء الفرنسي مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بدأت الهواتف ترن في مكاتب مسؤولي القوى الأساسية في الحكومة. وكان الرئيس نجيب ميقاتي على الخط، مع سؤال وحيد: ما العمل؟
وبحسب معلومات، فإن مداولات رئيس الحكومة التي بدأت بعد ظهر أول من أمس، واستمرت طوال يوم أمس، شملت اقتراحات طرحها على حزب الله وحركة أمل للتعامل مع القضية، من بينها الدعوة إلى جلسة عاجلة لمجلس الوزراء لبحث الأمر وأخذ القرار المناسب.
وعُلم أن القضية كانت مدار بحث أمس بين الرئيس نبيه بري وميقاتي الذي يتهيّب الموقف، ويعتقد بأن الحكومة لا يمكنها تجاهل القرار القضائي الفرنسي بمعزل عن كل الشكوك والطعون. ونُقل عنه أنه إذا لم يبادر الحاكم إلى طلب تنحيته، فإن على الحكومة البحث في صيغة بديلة. وهو أبلغ ثنائي أمل وحزب الله بـ«أنكم أعلنتم أنكم ترفضون أن تعيّن الحكومة بديلاً عن الحاكم سواء تنحّى أو عند انتهاء ولايته، لذلك فإن الحل هو أن يُطلب منه التوقف عن القيام بمهامه ريثما ينتهي التحقيق، وتسليم الأمر إلى النائب الأول وسيم منصوري بحسب قانون النقد والتسليف».
وعُلم أن الثنائي أبلغ ميقاتي أن الأمر يحتاج إلى مزيد من التشاور، إذ إلى جانب رفضهما تعيين الحكومة حاكماً جديداً لعدم الاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية، فإنهما يتحفظان عن تولي النائب الأول الشيعي مهام الحاكم لاعتبارات عدة، من بينها عدم استفزاز المسيحيين بتولي مسلم مهام المنصب المسيحي الثاني بعد رئاسة الجمهورية، والخشية من أن تلقى على كاهل النائب الأول كل أعباء المرحلة السابقة وما قد يحصل من تدهور سريع، خصوصاً أن هناك خشية أن يترك الحاكم ألغاماً وراءه.
وقالت مصادر مطلعة إنه في ضوء المشاورات، بات من المرجح ترك الأمر إلى حين تلقي لبنان رسمياً نص مذكرة التوقيف، لا انتظار النظر في طعن وكلاء سلامة في القرار الفرنسي والذي يتوقع أن يستغرق شهوراً. وبحسب المصادر، فإن ميقاتي لن يدلي بأي موقف قبل وصول طلب فرنسا توقيف سلامة عبر القنوات الرسمية.

كأن شيئا لم يحصل
في غضون ذلك، تابع حاكم مصرف لبنان أعماله من دون أي تعديل على برامجه، وداوم أمس في مكتبه في المصرف المركزي، قرارات من بينها إعطاء تراخيص عمل لشركات مالية رقمية، وترأس الاجتماع الأسبوعي للمجلس المركزي الذي استمر لأكثر من ساعتين، وأبلغ الحاضرين أن مذكرة التوقيف لا أساس قانونياً لها، وأنه سيواجهها بحسب المقتضيات القانونية. وقالت مصادر في المصرف إنه أطال الحديث مع الموظفين ونوابه في أمور مختلفة فيما لم يجرؤ أحد على سؤاله عن الأمر.
وخلافاً لهدوء سلامة، بدا التوتر واضحاً على الموظفين العاملين في مكتبه الخاص، وفي أوساط المدراء خصوصاً مدير العمليات الخارجية نعمان ندور ومدير التطوير والتنظيم رجا أبو عسلي والمدير التنفيذي لوحدة التمويل وائل حمدان. إذ يتخوف هؤلاء من تداعيات التحقيقات والقرارات الصادرة عليهم، كونهم شكلوا - كلّ بحسب منصبه - الفريق المساعد للحاكم والمواكب لكل مخالفاته.

أبو سمرا
أما في ما يتعلق بقاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، فيبدو أن خطته تركز على شراء الوقت للحاكم. وفيما كان يُفترض أن يعقد جلسة اليوم لاستجواب الحاكم في الملف المحوّل إليه من القاضي رجا حاموش بعد الادعاء على سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، تشير مصادر قضائية إلى أن الجلسة ستُخصص للبتّ في الدفوع الشكلية المقدمة من وكيل سلامة ضد رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر. علماً أن أبو سمرا أكد منذ بداية الأسبوع نيته البتّ في الدفوع قبل الجلسة للإتاحة لإسكندر حضور الاستجواب كممثلة عن الدولة اللبنانية، إلا أن ذلك لم يحصل. وبالتالي لن يخضع سلامة للاستجواب وسيتم تعيين موعد جديد له.
«يوم عادي» للحاكم في مكتبه... وقلق يسود بين فريق مساعديه


في موازاة ما سبق، لا يزال الحديث مستمراً بين المصرفيين والاقتصاديين حول إمكان تأثر علاقة لبنان المصرفية بمصارف المراسلة في الخارج وما يعنيه ذلك من قطع أوصال لبنان الاقتصادية لناحية عمليات الاستيراد والتحويلات المالية. لكن مصادر مصرفية أكدّت أن هذه المسألة مرتبطة مباشرة بقرار أميركي، فقطع علاقة مصارف المراسلة مع مصرف لبنان والمصارف قرار سياسي بحت. وتميل المصادر إلى اعتبار أن الأميركيين لا يزالون يحمون سلامة ويستثنونه من أي عقوبات، لا بل أنه لا يزال يعمل بإمرتهم، بدليل الضوء الأخضر الذي أُعطي له أخيراً للعمل بالتعميم 165 وفتح مقاصة بالدولار داخل مصرف لبنان. وبالتالي ليس من إشارات على إعطاء توجيهات لمصارف المراسلة لوقف التعامل مع الدولة اللبنانية.