مع استعار حرب الحملات بين السلطة والمعارضة، على مقربة من الانتخابات الرئاسية والنيابية المرتقبة خلال أقلّ من أسبوعين، واشتغال الأولى على اتهام الثانية بالتحضير لمحاولة انقلاب سياسي، شبّهته بمحاولة انقلاب عام 2016، سعى كمال كيليتشدار أوغلو إلى تطمين روسيا لناحية العلاقات معها، في ما لو فاز هو بالرئاسة، ذلك أنها في «صلْب الإرث السياسي لتركيا»، وأن الاستمرار في إقامة علاقات صحية وجيّدة معها، هو في مصلحة بلاده، كما قال. لكن ذلك لم يُحل، على أيّ حال، دون مواصلة موسكو دعمها الرئيس رجب طيب إردوغان، إذ حضر رئيسها، فلاديمير بوتين، عبر الفيديو، حفل افتتاح مفاعل «آق قويو» النووي، لكَيْل المديح لحليفه.
دخلت الانتخابات الرئاسية والنيابية في تركيا مرحلة توجيه الاتهامات الثقيلة استعداداً ليوم الحسم المرتقب خلال أقلّ من أسبوعين، في استحقاق ربّما هو الأهمّ في تاريخ تركيا المعاصر. وهو ما تجلّى في تصريحات أطلقها أوّلاً أركان السلطة، من مثل وزير الداخلية، سليمان صويلو، الذي قال إن «ما حدث في 15 تموز 2016، كان محاولة انقلاب فعليّة. لكنّ المعارضة تحضّر في 14 أيار لمحاولة انقلاب سياسي». أمّا رئيس الحكومة السابق، بن علي يلديريم، الموالي للرئيس رجب طيب إردوغان، فرأى أن الانتخابات ستكون بمثابة «حرب تحرير استقلالية في مواجهة المحتلّين»، فيما اعتبر مستشار رئيس الجمهورية، محمد أوتشوم، أن فوز المعارضة سيكون «انقلاباً على الاستقلال».
على أيّ حال، لم تمرّ هذه التصريحات مرور الكرام، بل ووجهت بحملةٍ من جانب المعارضة التي اعتبرت أن حديث صويلو عن «انقلاب» «غير مقبول على الإطلاق»، داعيةً إيّاه إلى الاعتذار. وفي هذا الإطار، قال نائب رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، سيد طورون، إن تصريحات صويلو هي «انعكاس لذهنية القمع وعدم احترام الإرادة الشعبية التي ستقرّر ديموقراطياً مَن سيحكم تركيا»، مضيفاً: «إذا صوّت الناس للحزب الحاكم، فليس من مشكلة بنظر صويلو؛ لكن إذا صوّتوا للمعارضة، فهذا انقلاب. هم لم يكتفوا بتسخير كل موارد الدولة لمصالحهم الشخصية والانتخابية، وها هم يأتون لتحقير الإرادة الشعبية. إنها حالة الخوف التي يمرّون بها». ومن جهته، قال المرشّح للرئاسة، سنان أوغان، إن صويلو «لو كان عنده كرامة، لَمَا بقي دقيقة واحدة في منصبه... عليه الاستقالة أو على إردوغان أن يقيله فوراً». وتعليقاً على هذا التصريح، اعتبر الكاتب في صحيفة «قرار» المعارضة، إبراهيم كيراس، أنه «من المؤسف حقّاً أن يَعتبر وزير الداخلية أن المعارضة ستقوم بمحاولة انقلاب سياسي في 14 أيار. هذا تصريح يشكّك منذ الآن في مشروعية النتائج المحتملة، ووصفُ ما سيجري بالانقلاب هو نيّة مبيّتة. وإلّا لماذا تجري الانتخابات؟»، مذكّراً بأن إبطال انتخابات بلدية إسطنبول في عام 2019، وإعادتها، «كان نموذجاً للانقلاب الذي ينتهجه حزب العدالة والتنمية. ومع ذلك، اختارت الأمّة حينها أكرم إمام أوغلو، وبفارق 800 ألف صوت بعدما كان الفرق 13 ألفاً فقط». ومن جهته، قال الكاتب المعروف عثمان سرت، إن الانتخابات المقبلة «لن تكون انتخابات الأمل، بل انتخابات التخويف وسيحاولون التلاعب بها»، مبيّناً أن وزير الداخلية لا يكتفي فقط بوصف ما سيجري بـ«الانقلاب السياسي»، بل يحاول «شيطنة المعارضة والعلمانيين»، بالقول إنه «في حال انتصارها، سوف تُفتح الشمبانيا احتفالاً». وبحسب سرت، فإن السلطة تخوّف الناس من أنه إذا لم يصوّتوا لها وانتصرت المعارضة، فسوف تتقسّم البلاد»، داعياً المعارضة إلى عدم الدخول في لعبة السلطة، وإلى تطمين الجميع. أمّا الكاتب مراد يتكين فوصف تصريحات صويلو بأنها «ذروة معاداة الديموقراطية»، و«رسالة مفادها بأن السلطة، حتى وإنْ خسرت الانتخابات، فلن تسلِّم بنتائجها، وسترفض التنحي».
كيليتشدار أوغلو: الاستمرار في إقامة علاقات صحية وجيّدة مع روسيا، هو في مصلحة تركيا


ومع عودته إلى إقامة المهرجانات الانتخابية وخصوصاً في إزمير وأنقرة، بعد تعافيه من «نزلة البرد»، أطلق إردوغان قنبلة سياسية، بقوله إن الاستخبارات التركية قَتلت، السبت الماضي، في عملية خاصّة في شمال سوريا، زعيم تنظيم «داعش» الجديد، أبو حسين الحسيني القريشي، الذي فجّر نفسه بحزام ناسف عندما أدرك أنه سيُقتل. ونُقل عن مصادر أمنية تركية، قولها، إن العملية التي استمرّت على مدى أربع ساعات، حصلت في منطقة جندريس المحتلّة من الجيش التركي. ولم يفوّت إردوغان نفسه الفرصة، حيث تحدّث من أمام جامع «السلطان أحمد»، عن أنه «سيحيل المعارضة، في 14 أيار، إلى موتى سياسيين، وسيدفنها في صندوقة الاقتراع». وقال إن «المعارضة تريد إلغاء رئاسة الشؤون الدينية ولا أدري أيّ مؤسّسة سيضعون مكانها. إن صيحات الاستهجان لا تكفي. سوف نعمل ليلَ نهارَ حتى 14 أيار. وسنحيلهم إلى موتى سياسيين. 14 أيار سيكون نهاية هؤلاء». في المقابل، رأى رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، أن هذه «انتخابات التحرُّر من النظام الحالي»، مضيفاً خلال مهرجان انتخابي أقيم في أنطاليا: «في 14 أيار، سنرحّل طيب. سنرسله إلى منزله. سيذهب كما جاء. لكل شيء نهاية، والذي يظنّ لأنه لا يتهدَّم سيتهدَّم»، منهياً خطابه الطويل بعبارته المشهورة: «كل شيء سيكون جميلاً».
واتّهمت السلطة، المعارضة، على خلفية التأييد - بات رسمياً - الذي يحظى به كيليتشدار أوغلو من «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي، بأنها «تسلّم البلاد لانفصاليّي حزب العمّال الكردستاني». وقال الرئيس التركي، في مهرجان انتخابي، إن «الأمّة لن تسلم البلاد إلى رئيس تدعمه قنديل (حيث توجد قيادة الكردستاني في جبال قنديل العراقية)». وفجّرت زعيمة «الحزب الجيّد»، مرال آقشينير، من جهتها، قنبلة كبيرة قد تكون لها أصداؤها في الأيام المقبلة بقولها إن إردوغان يتواصل مع عبدالله أوجالان في سجنه في إيمرالي، كاشفة عن أنه «أرسل إليه أحد القضاة لبحث ما الذي يمكن فعله في الانتخابات». وقالت: «أنا أعرف اسم القاضي، ولو كان سياسياً لكنت كشفت عن اسمه». وعن مسألة التأييد الكردي، كتب نديم شينير، في صحيفة «حرييات» الموالية، أن «الشعوب الديموقراطي» طالب مرشّح المعارضة بمنح الحكم الذاتي للمناطق الكردية، ومنْع إغلاق الأحزاب السياسية، ووقْف إقالة رؤساء البلديات الكردية المنتخَبين وإعادة الاعتبار لهم، وإطلاق سراح أوجالان، ووقْف العمليات العسكرية ضدّ قوات «حماية الشعب» الكردية في سوريا، وضدّ «العمّال الكردستاني»، وإعادة كل الذين تمّ تسريحهم بعد محاولة انقلاب 2016 إلى مناصبهم. وبحسب الكاتب، فإن استجابة كيليتشدار أوغلو لمطالب الأكراد، «لم تبدأ الآن. فحزب الشعب الجمهوري بدأ، منذ عام 2021، يعارض في البرلمان المذكّرات التي تسمح للجيش القيام بعمليات خارج الحدود، حتى ضدّ حزب العمّال الكردستاني، وضدّ التدخل العسكري في ليبيا وفي سوريا وفي العراق، بعدما كان أعطى موافقته على كل المذكّرات السابقة على عام 2021». وذكر شينير أن كيليتشدار أوغلو وافق، عام 2018، على «خريطة طريق الديموقراطية الدستورية»، التي تلحظ التعليم المزدوج باللغتَين التركية والكردية، وتعديل مصطلحات «التركي» و«الأمّة التركية»، و«تغيير البينة الواحدة» للبلاد، وأن «حزب الشعب الجمهوري ليس بحاجة إلى المساومة مع الشعوب الديموقراطي، فكلّ شيء واضح وموجود. وهو بتعاونه معه، يضع أسس تقسيم تركيا».
في هذا الوقت، دخلت روسيا بقوّة على خطّ دعم إردوغان من خلال مشاركة رئيسها، فلاديمير بوتين، عبر الفيديو، في حفل افتتاح مفاعل «آق قويو» النووي قرب مرسين، والذي قامت هي ببنائه. وقد كال المديح لنظيره التركي - شارك أيضاً عبر الفيديو -، قائلاً إنه «يقوم بأعمال مميّزة».
وفي مواجهة اتهامات السلطة، للمعارضة بأنها ستسلّم البلاد للغرب في حال فوزها في الانتخابات، وجّه مرشّح المعارضة رسالةً إلى ندوة كانت تُعقد في موسكو حول الانتخابات الرئاسية في تركيا. وفيها، ركّز كيليتشدار أوغلو على النقاط التالية:
- أوّلاً، على رغم التباين الطبيعي في بعض وجهات النظر، فإن تأسيس علاقات جيّدة مع روسيا هو في صلْب الإرث السياسي لتركيا. وقد نجحت تركيا في ذلك في عهد أتاتورك، وعصمت إينونو، وستواصل هذا التقليد.
وأشار في رسالته، إلى أن نصب الجمهورية في ساحة تقسيم الذي صمّمه النحّات الإيطالي، بياترو كانونيكا، والذي وُضع في الساحة في عام 1928، يحوي رسوماً منحوتة لكلٍّ من أتاتورك، وإينونو، ورئيس الأركان فوزي تشاقماق. لكنّه يحوي أيضاً، ومباشرةً خلف أتاتورك وإينونو، رسمَين منحوتَين لجنرالَين سوفياتيَّين، هما: قائد البولشيفيك خلال ثورة 1917، ميخائيل فاسيليفيتش فرونزي، وكليمنت فوروشيلوف، امتناناً من تركيا للمساعدة السوفياتية في عهد لينين لأتاتورك، إبّان حرب التحرير الوطنية (1919-1923).
- ثانياً، ردّاً على ما يتمّ تداوله في الصحافة العالمية، قال كيليتشدار أوغلو إن تحالف المعارضة، في حال فوزه، سيدافع عن مصالح تركيا. كما أن الاستمرار في إقامة علاقات صحية وجيّدة مع روسيا، هو في مصلحة تركيا.
- ثالثاً، قال: «نحن لا نرى صائباً، الحملات المعادية لروسيا في العالم»، واصفاً إيّاها بأنها «جريمة عنصرية بحقّ الإنسانية».
- رابعاً، قال: «سوف نطوّر العلاقات الاقتصادية والسياسية، وسنواصل اتفاقية ممرّ الحبوب، والتطبيق الكامل لاتفاقية مونترو، وسنقوّي التعاون القائم حالياً... إنّنا في حال فوزنا في 14 أيار، فسنحمل بكلّ أمل علاقاتنا مع روسيا إلى مستوى أكثر فاعلية وإيجابية واستقامة».
وعلى هذه الخلفية، انتقد محمد علي غولر، في صحيفة «جمهورييات»، القائلين إن سياسة تركيا مع روسيا ستشهد انقلاباً معاكساً، مؤكداً أن «تركيا محكومة باستمرار علاقاتها الجيّدة مع روسيا، لأن إقامة عالم متعدّد الأقطاب هو في مصلحتها».