الخرطوم | لم تَسلم الهدنة الجديدة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» من الخروقات، وخصوصاً في أم درمان وأحياء من مدينة الخرطوم بحري وشرق الخرطوم. هكذا بدا وكأن إعلان طرفَي النزاع التزامهما بتجديد الهدنة لـ72 ساعة، ما هو إلّا إرضاء للمجتمع الدولي والإقليمي، قبل أن يعود الطرفان إلى تبادل الاتهامات بخرقها. وفي هذا الإطار، حذّر الجيش، في بيان، من محاولات «المتمرّدين» عرقلة جهود الإجلاء، متّهماً «الدعم السريع» باستهداف طائرة إجلاء تركية أمس، في مطار «وادي سيدنا العسكري» في مدينة أم درمان، ما أدى إلى تضرّر خزانات الوقود في الطائرة وإصابة أحد أفراد طاقمها. في المقابل، نفت «الدعم» استهدافها أيّ طائرة في «وادي سيدنا»، لافتةً إلى أن هذه المنطقة خارج سيطرة قواتها، ومتّهمةً القوات المسلّحة بإلصاق التهم بها لتخريب علاقتها مع الدول الصديقة.ويأتي هذا التطوّر في وقت يقدّر فيه مراقبون عسكريون تحوّل «الدعم السريع» إلى ما يشبه جزراً معزولة بعضها عن بعض، ولا سيما بعد قطع هيئة الاتصالات الاتصال عن معظم قياداتها، ما جعل كلّ قوة ترجع إلى قائدها الميداني وتقديراته للموقف. كذلك، تحدّث شهود عيان في مناطق شمال الخرطوم، لـ»الأخبار»، عن مغادرة بعض عناصر «الدعم» ميدان المعركة بزيّ مدني، وتخليفهم وراءهم سياراتهم المدجّجة بالسلاح، خوفاً من قصف الطائرات، وخاصة في المناطق المكشوفة والبعيدة عن المنازل.
وفي ظلّ ضبابية المشهدَين الميداني والسياسي على السواء، وتزايد خشية القوى المدنية المناوئة للإسلاميين، من عودة هؤلاء على ظهر العسكر لتصدّر المشهد، توافقت كيانات مدنية وأحزاب سياسية ونقابات منتخبة ومنظّمات مطلبية ولجان مقاومة، بالإضافة إلى حركات مسلّحة، على العمل من خلال هيئة موحّدة أُطلق عليها «الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديموقراطية». ووضع الائتلاف الجديد مجموعة أهداف ينبغي تحقيقها، تبدأ بوقف فوري للحرب، وخروج المؤسّسة العسكرية بالكامل من الحياة السياسية والاقتصادية، والعمل على استعادة مسار التحوّل الديموقراطي، والتصدّي لمخطّطات النظام البائد لاستعادة سلطته وعسكرة الحياة، ومواجهة خطابات الانحياز والاصطفاف على أسس إثنية وقبلية ودينية، ورفض كلّ أشكال التدخّل الخارجي في الشؤون الوطنية، ما عدا المساعي الرامية لوقف الحرب. وأعلنت الجبهة أنه لتحقيق أهدافها، ستعمل على استخدام الوسائل السلمية المتاحة، ملتزِمةً بتطوير الآليات وتوسيع قاعدة المشاركة لتشمل المزيد من القوى والهيئات الوطنية، ما خلا حزب «المؤتمر الوطني» المنحلّ.
وعلى الرغم من التفاف كيانات مدنية واسعة حول الائتلاف الجديد، إلّا أن محلّلين يرون أن الوقت غير مناسب للأهداف المطروحة، إذ من غير المتوقّع أن تجد الدعوة إلى وقف الحرب في الوقت الراهن، استجابة من طرفَي الصراع. كما أنه من المستبعد انسحاب العسكر من الحياة السياسية بعد انتهاء المعركة، سواء حُسمت لصالح الجيش أو «الدعم السريع». ويعتقد بعض هؤلاء، ممّن يقفون موقفاً مؤيّداً للجيش في هذه المعركة، أنه كان من الأجدى تحييد القوات المسلّحة كمؤسّسة، ودعمها في معركة «التخلّص من الميليشيات الموازية ومن الإسلاميين في آن واحد»، حتى تكون نواة لجيش قومي مهني بعد انتهاء الحرب، يجري، على أساس دستور دائم، تحديد مهامه وحصرها في المحافظة على أمن البلد وحماية الحدود، وبالتالي الابتعاد عن الحياة السياسية.
وإذ بدا أن القوى المدنية أرادت قطع الطريق أمام بقايا النظام المخلوع، فإن ثمّة تيارات واسعة في القوات المسلّحة ترفع شعار «لا للكيزان ولا للميليشيا»، ما يشي بأن عودة الإسلاميين إلى السلطة عبر ذراعهم العسكرية في الجيش، قد لا تكون ممهَّدة كما يعتقد الكثيرون منهم، وإن كان نجحوا، بحسب بعض القراءات في إشعال الحرب. كما أن أطماع قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الشخصية، وتوقه للسلطة، يجعلان من المستبعد تسليمه السلطة إلى أيّ كيانات حزبية في حال حسمت القوات المسلّحة المعركة لصالحها.