هو «اتفاق المطمئنَّين» إلى بعضهما بعضاً. هكذا تصف مصادر دبلوماسية عربية المصالحة الإيرانية - السعودية. بمعنى: «الإيراني، على أعلى المستويات، طمأن الرياض بما يبدّد هواجسها. والسعودي، في المقابل، بدّد مخاوف طهران». تضيف المصادر: «هذا ليس اتفاق تهدئة. هو اتفاق كبير جداً. ما بعده، في كل المنطقة، لن يكون كما قبله».كيف ينعكس ذلك على الاستحقاق الرئاسي في لبنان؟ «السؤال هو متى وليس كيف»، تجيب المصادر، مشيرة إلى أن «الفرنسيين لا يزالون يأملون بتجاوب سعودي للوصول إلى تسوية، وخصوصاً أن الرياض لم تقل لا حاسمة لانتخاب سليمان فرنجية، وإن كانت لم تقل نعم بعد، تحت عنوان عدم الاكتراث بالمسألة اللبنانية. تدرك باريس أن الإحجام السعودي عامل سلبي، فيما الانخراط في محادثات تسوية يسهّل انتخاب الرئيس. لذا تتكرر الزيارات الفرنسية الى السعودية والاتصالات بين المسؤولين في البلدين». لكن التقدير هو أن «لا خيار آخر. ربما يأخذ السعودي وقتاً في انتظار بتّ بعض الخطوات في اليمن وسوريا، وليطمئنّ إلى أن مصلحته في لبنان تكمن في انتظام عمل المؤسسات».
«اتفاق المطمئنَّين» ينعكس اطمئناناً لدى حزب الله. نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم يؤكد أن «تنفيذ الاتفاق الإيراني - السعودي يجري بخطوات متسارعة». ويلفت إلى أن «لقاءات وزيري خارجية البلدين واتصالاتهما تنجز الملفات بفعالية. العلاقات بين المصرفين المركزيين في البلدين بدأت في اليوم التالي لتوقيع اتفاق المصالحة في بكين. خطوات الحلّ في اليمن بارزة في إيجابيّتها. هذا كله يؤكد تصميم الطرفين على إنجاح الاتفاق الذي نأمل أن يترك انعكاساته على كل المنطقة، وخصوصاً أن الملفات مترابطة». أما الموقف الأميركي - الإسرائيلي، «فرغم سلبيّته ومحاولاته للتخريب، لن يكون قادراً على تجاوز تصميم البلدين بعد طول افتراق، وخصوصاً أن النظام العالمي على أبواب الانتقال من الأحادية القطبية الأميركية إلى تعدد الأقطاب».
ترابط الملفات يقود إلى لبنان. هذا البلد، بحسب قاسم، «يجب أن يستفيد من انتهاء عقد من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، بدأ عام 2011، ومن البدء في الاتفاقات والتسويات القائمة على المصالحة وفتح آفاق التعاون، وخصوصاً الاتفاق الإيراني - السعودي». هذه التسويات «مؤشرات إيجابية علينا أن نستثمرها بالحدود الممكنة. وإلا، هل يعقل أن يعود لبنان إلى الأجواء السلبية التي سادت العقد الماضي، في وقت تتحرك فيه المنطقة نحو أجواء إيجابية تساعد على إراحة دولها؟». وعليه، فإن «لبنان أمام محطة تاريخية مهمة جداً، حيث يغلب الاختيار الداخلي على الفرض الخارجي. كل الدول الخارجية مقتنعة بأنها غير قادرة على أن تفرض خياراً معيّناً على اللبنانيين في هذه المرحلة، بسبب تشظّي الكتل في المجلس النيابي، وأيضاً بسبب أولويات أخرى لدى هذه الدول. لذا يتطلّب الأمر تعاوناً بين اللبنانيين لإنجاز الاستحقاق الرئاسي».
يوماً بعد يوم تزداد الإيجابيات في اتجاه التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية


ويشير قاسم إلى أن «اختيارنا دعم ترشيح رئيس تيار المردة سببه، أولاً، امتلاكه المواصفات الوطنية والعملية لمصلحة لبنان ودوره وموقعه، وثانياً امتلاكه دعماً إضافياً نابعاً من قناعة خارجية تمثّلها فرنسا بضرورة الوصول إلى تسوية، ربما تتحرك فرنسا بفعالية أكبر، ولهذا الأمر علاقة بتقديرها لمصالحها وعلاقتها مع الدول الأخرى. وعلى أية حال، لسنا على علم بوجود اتفاق دولي أو تقاسم أدوار في الملف اللبناني»، مشدداً على «أننا مع أيّ جهد يوصل إلى انتخاب الرئيس المناسب. ويوماً بعد يوم، تزداد الإيجابيات في هذا الاتجاه، وننتظر لحظة الانتخاب».
ولكن، ألا تتناقض هذه الإيجابية مع ما فُهم من كلام قاسم نفسه، قبل أيام، بأن حزب الله يخيّر اللبنانيين بين فرنجية والفراغ؟
يجيب قاسم: «لم نخيّر أحداً بطريقة سلبية، بل كنا نوصّف الواقع. لنوضح الصورة بشكل أدقّ: الحزب يدعو إلى مقاربة إيجابية للاستحقاق الرئاسي، وهذا يعني أن يقدم كل طرف مرشحاً لنكون أمام خيارات متعددة، ونناقش بعضنا بعضاً في حوار بنّاء، علّنا نتمكن من ردم الهوّة وإيجاد قواسم مشتركة وإنجاز الاستحقاق سريعاً. لا أحد يناقش بضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي لأنه مقوّم نهضة البلد ودعامة دستورية أساسية للانتظام العام، ولا يمكن التصرف بإهمال تجاه هذا المفصل المهم. لذلك، ينبغي الإقلاع عن المقاربة السلبية التي تكتفي برفض الاسم الذي نطرحه، من دون أن يقدم الرافضون اسماً في المقابل. هذه المقاربة السلبية لا تحقّق الإنجاز المطلوب وتوتّر الأجواء السياسية وتبقى في دائرة المماحكة والشعبوية، فيما إنجاز الاستحقاق يتطلّب مقاربات إيجابية».