عشرات الاجتماعات عقدتها اللجنة الوزاريّة المعنيّة بمتابعة ملف إعادة النازحين السوريين، منذ إحيائها في أيلول 2021. محاضرٌ بالجملة تكدّست في أرشيف رئاسة الحكومة، وبقيت حبراً على ورق، من دون إنجازات تُذكر باستثناء ترحيل عدد ضئيل من النازحين. إذ لطالما رضخت الحكومة اللبنانيّة لضغوط المجتمع الدولي الذي يرفض إعادة السوريين إلى بلادهم غير آبه بالأعباء الماليّة والاجتماعيّة التي يتكبّدها لبنان، ويغدق بمساعدات تُسهم في عرقلة عودة النازحين طوعاً. والأهم، أنّ الحكومة رضخت أيضاً لرغبة الغرب، والمحسوبين عليه في الدّاخل، في إقفال أبواب الحوار الرسمي مع الحكومة السورية. إذ إنه في كلّ مرّة، كان مجلس الوزراء يجد صيغة ملتوية للتنسيق مع دمشق، إمّا من تحت الطاولة كما حصل مع الوزراء المحسوبين على النائب السابق طلال إرسلان في ملف النازحين، أو بتفويضٍ أُعطي إلى المدير العام السابق للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم من بوابة «التنسيق الأمني». وعليه، أبقت الحكومة نفسها بعيدة عن أي «لينك» علني مع السوريين، مقدّمة الخوف من الغضب الغربي على المصلحة الاقتصاديّة والاجتماعيّة للبنان.اليوم، يبدو أنّ شيئاً ما تغيّر بعدما أراحت المصالحة السعوديّة – السوريّة من يخشى «العقاب الخارجي». وهذا ما ترجمته إيجابية ميقاتي خلال ترؤسه اللجنة الوزاريّة المعنيّة بملف النازحين، والتي حضرها الوزراء المعنيون وقادة الأجهزة الأمنيّة ومسؤولون. إذ أبدى رئيس الحكومة «حماسة غير مسبوقة»، على حد تعبير بعض الحاضرين، وتعمّد الحديث أمام الكاميرات قبيل بدء الاجتماع عن أن لبنان لم يعد قادراً على تحمّل عبء النازحين. هذه الإيجابية تمخّضت عن «كسر الفيتو» التواصل مع الحكومة السورية. فما إن طرح وزير العمل مصطفى بيرم ضرورة التنسيق المباشر مع دمشق، حتّى لاقاه ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزيف عون مُرحّبين، من دون اعتراض أي من الحاضرين. هكذا، «انتزع» بيرم، بسهولة، الموافقة على حوار رسمي بعد سنواتٍ من «القطيعة السياسية»، وكلّفه رئيس الحكومة، مع وزير الشؤون الاجتماعيّة هيكتور حجّار والمدير العام للأمن العام بالوكالة العميد الياس البيسري والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد المصطفى، التنسيق مع الحكومة السوريّة لتسهيل العودة الطوعية للنازحين ورفع تقرير إلى اللجنة.

غطاء للقائد
وشكّل الاجتماع غطاء لقائد الجيش الذي نفّذ أخيراً عمليات ترحيل لعدد من النازحين، لاقت انتقادات من منظمات غير حكوميّة. إذ ذكّرت مقرّرات اللجنة بـ«ضرورة تنفيذ قرار المجلس الأعلى للدفاع تاريخ 2019/4/24، من قبل الجيش والأجهزة الأمنية كافة بحق المخالفين، خصوصاً لجهة الداخلين بصورة غير شرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية». وأكّد المجتمعون ضرورة التشدّد في المعاملات الخاصة بالسوريين وملاحقة المُخالفين، إن كان من خلال وثائق الولادة أو تصاريح العمل أو السكن... وبالتالي التضييق على النازحين.
وبعدما عرض المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان أرقاماً حول ارتفاع معدل الجريمة وازدياد عدد الموقوفين السوريين في جرائم محددة كالسرقة والدعارة، طرح أحد الوزراء فكرة إعادة الموقوفين والسجناء السوريين المحكومين لارتكابهم جرائم عاديّة إلى بلادهم بسبب ازدحام السجون ومراكز التوقيف، إلا أنّ وزير العدل هنري خوري والأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكيّة أشارا إلى عدم وجود إمكانية قانونيّة لترحيل الموقوفين على ذمّة التحقيق قبل صدور أحكامهم، كما لا يمكن ترحيل المحكومين الذين لم يدوّن القاضي في حكمه عليهم مسألة الترحيل بعد تنفيذ العقوبة. بالتالي، فإنّ الترحيل بات مقتصراً على من يدخل خلسة بعد تنفيذ عقوبته وإحالته إلى الأمن العام.
مع ذلك، طلبت اللجنة من خوري البحث مع المدّعي العام التمييزي القاضي غسّان عويدات في إمكانيّة حل هذه المعضلة عبر إصدار تعميم من النيابة العامّة التمييزيّة بعد إيجاد الصيغة المناسبة بما يخص المحكومين بجرائم عاديّة.
ومن المقرّرات التي صدرت عن اللجنة تأكيد «استمرارها في متابعة العودة الطوعية للنازحين السوريين، مع مراعاة ما تفرضه الاتفاقيات والقوانين لناحية المحافظة على حقوق الإنسان، تحت إشراف الوزارات والإدارات المختصة لا سيما وزارة الشؤون الاجتماعية والمديرية العامة للأمن العام».
تكليف خوري وعويدات إيجاد صيغة لترحيل السجناء السوريين إلى بلادهم


وبعد انتهاء الاجتماع، التقى ميقاتي ممثلين عن «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» (UNHCR) لإبلاغهم بالمقرّرات، ومنها طلب تزويد وزارة الداخلية والبلديات بالداتا الخاصة بالنازحين السوريين، ضمن مهلة أقصاها أسبوع، على أن تسقط صفة النازح عن كل شخص يغادر الأراضي اللبنانية.
وكانت هذه النقطة محط نقاشٍ مطوّل خلال اجتماع اللجنة، خصوصاً بعدما عرض بيرم لتقرير يُفيد بدخول 37 ألف سوري إلى بلادهم خلال فترة عيد الفطر ومن ثم عودتهم إلى لبنان بعد انقضاء العطلة، ممّا ينفي عنهم صفة النزوح.



شرف الدين على الـ «بلاك ليست»!
امتنع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن دعوة وزير المهجرين عصام شرف الدين إلى اجتماع اللجنة الوزارية لبحث ملف النازحين أمس، بسبب علاقتهما المتوترة، علماً أن الأخير عضو في اللجنة ومن متابعي هذا الملف في الحكومة وزار دمشق مرات عدة لهذه الغاية.
وتلقّى شرف الدين اعتذاراً من الأمانة العامّة لمجلس الوزراء بحجة أن الاجتماع مصغّر ومحصور بالشق الأمني، علماً أنّ 5 وزراء (الداخلية والعدل والعمل والخارجيّة والشؤون الاجتماعية) ومسؤولين في السراي من غير الأمنيين، حضروا الاجتماع، بمن فيهم مستشارو ميقاتي. علماً أن وساطة كانت تُجرى لترطيب الأجواء بين ميقاتي وشرف الدين، ومن خلفه النائب السابق طلال إرسلان. إلا أنّ إقصاء شرف الدين عن اجتماع أمس يعيد هذه المبادرة إلى النقطة الصفر، خصوصاً أنّ شرف الدين أبلغ ميقاتي اعتراضه على «تغييبه وتهميش دوره ودور وزارته التي حملت هذا الملف منذ أكثر من سنة».