قبل أربع سنوات، كان الاعتقاد الغالب بأن جو بايدن، مرشّح الضرورة بسبب غياب البديل، لن يَخدم أكثر من فترة واحدة، وهو لمّح إلى ذلك بقوله إنه ليس إلّا «جسراً» للجيل القادم. لكن التوقّعات جاءت مخالفة لرغبة الرئيس الثمانيني في تسجيل ما يمكن أن يكون سابقة في ما لو رست رئاسيات 2024 مجدّداً على الثنائي: بايدن - ترامب، في تكرار لسيناريو 2020. وبحسب مقرّبين منه، جاء قرار الرئيس الديموقراطي مدفوعاً جزئيّاً بكرهه لسلفه، واعتقاده بأنه الوحيد القادر على هزيمته، من دون أن يأخذ في الحسبان أن مرشّحاً آخر أصغر سنّاً قد يحالفه الحظّ في الحصول على بطاقة الحزب الجمهوري
بعد طول تردُّد، ركن الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى رغبته في الترشُّح لولاية رئاسية ثانية لا يزال من المبكر تحديد مآلها، ذلك أن بقاءه في المنصب من عدمه يعتمد أوّلاً وأساساً على المرشّح المقابل. وربّما ترسو رئاسيات 2024، مرّة جديدة، على الثنائي نفسه: بايدن - ترامب، مع فارق أن الأوّل أضحى منافساً/ رئيساً مجرَّباً لم تتمخّض تجربته عن أيّ إنجاز يُعتدّ به، بل كانت عبارة عن سلسلة إخفاقات تَوجّها الانسحاب من أفغانستان في بداية عهده، والمواجهة المفتوحة مع كلّ من روسيا والصين خارجيّاً؛ أمّا داخليّاً فلم يكن الوضع أفضل حالاً، حيث الانقسام لا يزال على أشدّه، إذ لم يسع الرئيس لِلَجم حدّة الاستقطاب، وهو ما ظهّره في هجومه المستمرّ على المعسكر المقابل، والقاعدة الشعبية التي يمثّلها ترامب والتي تعدّ عشرات الملايين. باختصار، لم يُعِد بايدن لأميركا «ريادتها»، كما وعَد، ولا حتى «روحها» التي أكثر من الحديث عنها إبّان حملته الانتخابية لعام 2020، فيما يعتزم مواصلة القتال للغاية نفسها، من دون أن يأتي بأيّ جديد.
ليست المشكلة حصراً في سنّ الرئيس البالغ 80 عاماً، وليست طبعاً في أنه يفتقد إلى الكاريزما وتقنيات التواصل مع الجمهور، بل في ما يبدو أنها سياسات لا تقوم على أجندة واضحة، ممّا يجعل طريق بايدن إلى البيت الأبيض مجدّداً مثقلاً بالتحديات، لا سيما مع تصاعُد هجمات الجمهوريين التي ترتكز على أهليّته، ووضعه الذهني، والتي لن تكفي إجابات من قَبيل «ووتش مي» (أنظروا إليّ) للحدّ منها. ففي ردّها الأول، اعتبرت «اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري» أن «بايدن منفصل عن الواقع إلى درجة أنه بعدما تسبّب بأزمة تلو الأخرى، يرى نفسه جديراً بأربع سنوات إضافية»، محذّرةً من أنه في حال فوزه «فالتضخّم سيواصل ارتفاعه الصاروخي، معدّلات الجريمة سترتفع، والعائلات الأميركية ستكون أسوأ حالاً». وعلى هذا المنوال جاء ردّ فعل ترامب الذي قال: «يمكن أخذ أسوأ خمسة رؤساء في تاريخ الولايات المتحدة، ولن يتسبّبوا مجتمعين في ضرر أكبر من الذي تسبّب به جو بايدن لبلادنا خلال بضع سنوات فقط». أمّا الخبير الاستراتيجي الجمهوري، سكوت ريد، فاعتبر أنه «من الصادم حقّاً أن يعتقد بايدن بأنه ما زال قادراً على شغل المنصب لفترة ثانية، ولن أتحدّث هنا عمّا تبقّى من الفترة الحالية».
غالبية القاعدة الشعبية الديموقراطية لا تزال تفضّل عدم ترشّح بايدن


تبدأ رسالة بايدن بصورٍ من الهجوم على «الكابيتول» في السادس من كانون الثاني 2021، وتذكيره الأميركيين بأن البديل، في حال كان ترامب، كارثي. بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، لا يزال «النضال» جارياً من أجل «الحرية والديموقراطية»، ولكنه «غير مكتمل»، ففي «جميع أنحاء البلاد، يصطفّ متطرّفو MAGA (شعار ترامب) للاستيلاء على الحريات الأساسية» كما قال. لافتاً إلى أنه عندما ترشّح لمنصب الرئيس قبل أربع سنوات «قلتُ إنّنا كنّا في معركة من أجل روح أميركا. وما زلنا كذلك». وعلى رغم أنه وصف نفسه بأنه «جسر» للجيل القادم، خلال حملته لعام 2020، وهو تعليق فسّره البعض وقتها بأنه يستبطن تلميحاً إلى نيّته البقاء لفترة واحدة فقط، خلص بايدن إلى أنه ليس مستعداً بعد للتسليم. ووفق مساعديه الذين تحدّثوا إلى «نيويورك تايمز»، جاء قرار الرئيس الديموقراطي «مدفوعاً جزئيّاً بكرهه لترامب، واعتقاده بأنه الديموقراطي الأفضل في منْع الرئيس السابق، المتّهم جنائيّاً، من استعادة البيت الأبيض». وزادت نتائج انتخابات منتصف الولاية في تشرين الثاني الماضي، وفشل الجمهوريين في إحداث موجة حمراء، خلافاً للتوقعات، من عزم بايدن على خوض المعركة الرئاسية مجدّداً. ومن بعدها، جاءت ملاحقات ترامب، وصدور قرار اتّهامي في حقّ الأخير في واحدة من التحقيقات القضائية الجارية، ليعزّز هذا التوجّه. لم يخفِ بايدن أبداً واقع أنه يفضّل مواجهة ترامب في انتخابات 2024، ذلك أنه سبق أن هزمه، ولأن الرئيس الجمهوري السابق (76 سنة) الذي يخوض حملته الانتخابية، سيكون عليه التوفيق بين جدول أعماله الانتخابي ومتطلبات قضيّته. ولكن سيكون على الديموقراطي تكييف حملته في حال ظهر منافس آخر أصغر سنّاً أو أكثر اعتدالاً - وفق معايير ترامب - مثل حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، وهو أخذ علماً، بحسب الاستطلاعات، بأن ترشيح سلفه لم يَعُد يثير حماسة أيضاً.
كذلك، يواجه الرئيس تحدّيات تُعدّ ناشئة بالنسبة إليه، كاضطراره للظهور وليس كما كانت عليه الحال إبّان ذروة جائحة «كورونا». ففي 2020، ظلّ بايدن قليل الظهور، بعدما تسبّب تفشّي الوباء بتعطيل أغلب جوانب الحياة في الولايات المتحدة، بما في ذلك حملة انتخابات الرئاسة، ليُجري أغلب أنشطة حملته عبر الإنترنت من قبو منزله في ويلمنغتون في ولاية ديلاوير. لكن أيام تفادي الفعاليات العامّة، كبيرة كانت أو صغيرة، ولّت. أيضاً، ثمّة قضايا أخرى ستربك حملة الرئيس، ومن بينها تعامله مع الاقتصاد، فهو تولّى منصبه في كانون الثاني 2021 مع طرح لقاحات «كوفيد»، وعادت الظروف الاقتصادية تدريجاً إلى طبيعتها خلال مطلع ولايته بعد صدمة حالات الإغلاق الشامل على مستوى البلاد والعالم. وتتفاخر الإدارة الحالية، في الوقت الراهن، بأن عدد الوظائف زاد 3.2 مليون وظيفة عمّا كان عليه قبل «كورونا». لكن القلق يتزايد في المقابل من حدوث كساد، وسط ترجيح ارتفاع معدّلات البطالة في ظلّ تباطؤ النمو وبقاء أسعار الفائدة مرتفعة واحتمال أن يحوم التضخّم فوق مستويات ما قبل الجائحة.
وفي حين تُظهر استطلاعات الرأي أن لدى معظم الديموقراطيين آراء إيجابية تجاه بايدن، فإن غالبيتهم لا تزال تفضّل عدم ترشّحه. ووفق استطلاع أجرته شبكة «أن بي سي» الإخبارية هذا الأسبوع، قال 70% من الأميركيين، 51% منهم من الديموقراطيين، إن على الرئيس الحالي العدول عن الترشّح، وذكر 7 من كلّ 10 أميركيين ممّن لا يريدون ترشّحه، عمره كعامل. وأَظهرت استطلاعات أجرتها «ياهو» و«وول ستريت جورنال» و«مورننغ كونسالت» أن بايدن يتقدَّم قليلاً على منافسه، فيما وجدت أخرى أجرتها «ذي إكونوميست» و«مركز جامعة هارفارد للدراسات السياسية الأميركية» أنه يتأخّر عدّة نقاط.