استندت فرنسا في دعمها لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على قاعدتين، الأولى أن المعارضة غير موحّدة وراء مرشح واحد، والثانية أن باريس تقدم نفسها لدى واشنطن والرياض كوسيط مقبول من حزب الله لتسهيل انتخابات الرئاسة. وإذا كان المشهد السعودي تجاه فرنسا يتبلور في اتجاه واضح، يبقى القسم الأول الذي تستفيد منه باريس وحزب الله في القفز إلى الأمام. إلا أن العقدة لا تقف فقط عند المعارضة، إذ يقف التيار الوطني الحر معها هذه المرة على قدم المساواة، ويشهد إرباكاً في مقاربته الملف الرئاسي.كانت خطة التيار تقضي بتعطيل انتخاب فرنجية وقائد الجيش العماد جوزيف عون، وهو خاض المعركتين في شكل مبكر وحاسم، إلى حد لم يترك هامشاً للمناورة للسير بأحدهما. واحتراق بعض أوراقه مع حزب الله لم تعوضها مشاركته في جلسة التمديد للمجالس البلدية. إذ إن ما انكسر بينهما في ملف الرئاسة يصعب تعويضه إلا في الملف نفسه. والتيار، حتى الآن، غير قادر على التراجع خطوة إلى الوراء في قضية بات أسيرها، لأن ذلك لن يكون مبرراً، مسيحياً وداخل التيار، بالسهولة ذاتها التي برّر بها الجلسة النيابية. معضلة التيار أنه لا يملك خطة «ب» للانتخابات، رغم أن النائب جبران باسيل كان أول من فتح حواراً خارجياً، في باريس وقطر، وداخلياً حول الرئاسة. لكن الموقف الاعتراضي على وصول فرنجية وعون، لم يستكمله بطرح بدائل يمكن تسويقها إلى حد القبول بها مع المعارضة أو حزب الله. فمع المعارضة، تحديداً القوى المسيحية، عجز التيار عن التوصل إلى تفاهم حول مرشح رئاسي في ظل فيتوات تضعها القوات اللبنانية على من يؤيد التيار وصولهم من الإطار الاقتصادي والمالي، ولم ينقلب تلاقيه مع القوات والكتائب على رفض فرنجية، إلى إيجابية لتقريب وجهات النظر حيال ترشيح عون أو شخصية أخرى يسيران فيها إلى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب. وجد التيار نفسه بذلك في زاوية حرجة لا يستطيع معها التقدم خطوة إضافية، ولم يفلح في إيجاد بدائل لمواجهة مرشح الثنائي الشيعي. أضف إلى ذلك أن تبني فرنسا لفرنجية يقابله تأييد قطري ومصري لقائد الجيش، ما يصعّب على باسيل إيجاد مساحة جديدة لطرح الملف الرئاسي على قواعد تتقاطع فيها العوامل المحلية والإقليمية. حتى أن تلويحه بترشيح نفسه استنفد مفاعيله في ضوء تراكم الأخطاء واستمرار الثنائي في إدارة معركة فرنجية.
أما المعارضة فليست أفضل حالاً. بعد قرار ترشيح النائب ميشال معوض، بدت المعارضة الحزبية وكأنها استكانت إلى ما حققته من تعطيل مبادرة الفريق الآخر بعدم اتفاقه على مرشح واحد والاكتفاء بالأوراق البيضاء. بعدها، ارتاحت إلى الخلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحر حول ملف الرئاسة، وبعد تغير المشهد بترشيح الرئيس نبيه بري وحزب الله لفرنجية، بقيت مع ذلك مرتاحة إلى أن الأخير لم يرشح نفسه، ما يعني أنه مرشح تفاوض وليس المرشح النهائي. علّقت المعارضة آمالها على موقف السعودية من باريس وحيال المواصفات التي تضعها ولا تنطبق على فرنجية، فلم تعدّ العدة لصياغة أي مشروع رئاسي، عدا عن فتح معركة تأمين النصاب. فيما ظهرت معارضة النواب «التغييريين» أكثر تخبطاً في ملف الرئاسة الذي كان يفترض أن يكون مغايراً لولا تشرذم النواب 13 وخفّة أكثريتهم.
هذا كله يضع الجميع تحت سقف واحد، وجعل حزب الله أكثر القوى السياسية ارتياحاً إلى المشهد. وهو استفاد من الضخّ الفرنسي الرسمي، والاتفاق السعودي - الإيراني فسارع إلى استثماره بالضغط بورقة فرنجية، على عكس ما كانت المعارضة تأمل في التخلي عن مرشحها ومرشح الثنائي. وقد أعطاه إرباك المعارضة والتيار على السواء فرصة الارتداد مجدداً، ووضع استراتيجية مضادة تزيد الأطراف الرافضة لفرنجية تخبطاً. في الأيام الأخيرة، بدت هذه الأطراف واقعة تحت تأثيرات استنهاض حزب الله لمرشحه واستنفار المشهد السياسي الرئاسي من باريس إلى دمشق، ومن بكركي التي تقول أمام المعارضة والتيار كلاماً «مختلفاً جداً» عن ترشيح فرنجية واحتمال وصوله إلى قصر بعبدا. ويصعب على القوى السياسية التي تعارض فرنجية أن تعمل على إعداد خطة رديفة فيما هي تعاني من انقسامات وشرذمة واضحة، حتى أن القوى المعارضة لم تخرج بعد من خانة انتظار ما ستفرزه اتصالات الرياض لتبني استراتيجيتها. كلا المعارضة والتيار لا يزالان حذرين في التعامل مع مرحلة مستجدة بدأت مع التحولات العربية - الإيرانية، ومن ثم الاتصالات العربية، وها هما يواجهان استنهاضاً لحزب الله، من دون القدرة على استكشاف آفاقه حتى يسقطا نتائجه على الانتخابات الرئاسية.