بدأ نقيب المحامين ناضر كاسبار في إجراءات التحقيق مع المحامين المخالفين لتعديلات «نظام آداب المهنة»، وهي تقضي بوجوب أخذ المحامي الإذن قبل القيام بأي نشاط أو تعليق له بعد سياسي أو متصل بقضايا عامة. وكلّف كاسبار مفوض قصر العدل عضو مجلس النقابة عماد مارتينوس التحقيق مع الذين «تخطوا الحدود»، وأولهم المحاميان يوسف الخطيب وحسين رمضان اللذان استدعيا للاستجواب أمس بتهمة كتابة الأول منشوراتٍ على صفحته على «فايسبوك» يعترض فيها على «عدم تأمين النقابة لأعضائها أماناً صحياً، وتقاعداً لائقاً» (الراتب التقاعدي الشهري للمحامي يساوي 45 دولاراً فيما الاشتراك السنوي في التأمين الصحي يبلغ 1150 دولاراً)، وكتابة رمضان تعليقاً اعتراضياً على منشورٍ فيسبوكي لزميله عضو مجلس النقابة المحامي ألكسندر نجار (وكيل صاحب شركة تحويل وشحن الأموال الراحل ميشال مكتف) حول خرق سرية التحقيق في قضية لا تزال قيد النظر. المفارقة أن نجّار الذي يصفه زملاؤه بـ«عراب التعديلات»، لم تستدعه النقابة رغم أنه خالف النص وموجب التحفّظ، تماماً كما تغاضت عن تغريدات المحامي محمد زعيتر نجل النائب غازي زعيتر التي شتم فيها نقيب المحامين السابق ملحم خلف، مخالفاً بذلك «احترام المقامات والمحامين الزملاء والنقباء وهيبة النقابة»، وهي المعايير التي يستند إليها كاسبار ومؤيّدوه لتبرير الإجراءات العقابية بحق المحامين.عملياً، لم ينظّم مارتينوس محضراً رسمياً لرمضان والخطيب، ولم يحصل تحقيق فعلي، إذ طلب كاسبار منهما الدخول إلى مكتبه محاولاً إقناعهما بـ«المونة» بالتوقّف عن التعليقات. سلوك وجد فيه المعارضون «تخبطاً لدى النقابة»، مؤكدين أنه في حال وجود تعسّف باستخدام الحرية فإن «تصحيحه يكون في المجالس التأديبية وليس بمصادرة حق المحامين جميعاً في الكلام، وربط السماح باستنسابية شخص النقيب ومجلسه».
تزداد الشكوك من ضغط «لوبي مصرفي» مستاء من تصريحات عدد من المحامين


الفصل الأهم في القضية، هو المُرتبِط بالمحامي نزار صاغية الذي يمثل الخميس أمام مجلس النقابة، وليس أمام مفوّض قصر العدل. وواحد من توجهاتِ المجلس التي نُقِلت إلى صاغية طرح شطبه من النقابة وإنهاء حياته المهنية، وهو ما يحتاج إلى أصوات غالبية الأعضاء. الخطورة في هذه الآلية تكمن في أن المجلس هو الحَكَم والخصم في آن، إذ إن صاغية واحد من المحامين الذين تقدّموا بطعنٍ أمام محكمة الاستئناف لإبطال تعديلات مجلس النقابة، وفي هذه الحالة يكون المجلس الذي سيحاكمه الخميس خصمه في قضية لا تزال قيد النظر. إلى ذلك يتحفّظ صاغية على آلية «الترهيب» بحد ذاتها، «ففي حين يتيح التحقيق أمام المجالس التأديبية توكيل محامٍ والدفاع عن النفس في جلسات عدة إلى أن يتّخذ القرار، وهو ما ليس متاحاً أمام مجلس النقابة الذي يستطيع شطبه فوراً ولا يسمح بوجود وكيل قانوني عنه». وإذا ما سارت الأمور في هذا الاتجاه سيطعن أمام محكمة الاستئناف، وسيكون اللجوء إلى نقابات المحامين في العالم واحداً من خيارات المواجهة. كما لم تذكر النقابة سبب استدعاء صاغية، مع الترجيح أن يكون الاستجواب على خلفية معارضته للتعديلات الأخيرة في الشكل، أما في العمق فيربطها بمعلومات وصلته عن «شكوى قدّمها المصرفي أنطون الصحناوي ضدّه أمام النقابة اعتراضاً على تقارير للمفكرة القانونية عن قضية maison blanche وهي قضية أساسية معني بها الصحناوي».
تزداد الشكوك من ضغط «لوبي مصرفي» مستاء من تصريحات عدد من المحامين المناهضين لطروحاتٍ مثل الصندوق السيادي، وتحميل المجتمع ثمن الانهيار بتوزيع غير عادل للخسائر. ويلفت المحامون المعارضون للنقابة إلى تقاطع المصلحة بين «قرارها إسكات المحامين وبين مصلحة المتضررين من مواقفهم، مصرفيين كانوا أم ساسة في زمن الانهيار والإفلات من العقاب والجرائم المالية». ويعتبر هؤلاء أن الأمر لم يعد شأناً نقابياً داخلياً، بل «قد يكون مقدمة للسيطرة على نقابة الحريات، وتطويع الأصوات العالية المؤثّرة فيها حين تتعارض مع سياسات اقتصادية ومالية مجحفة بالطبقة العاملة ستنفّذ في زمن التعافي». وعليه، تتعامل هذه الشريحة مع المواجهة على أنها واجب حمايةً لكل الأطر والمؤسسات الأخرى من انتقال عدوى التطويع إليها.
الاستغراب يدور حول مواقف القوى السياسية المسيطرة على مجلس النقابة، حيث الثقل للأحزاب المسيحية الثلاثة (القوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر)، ربطاً بمواقفها من الحرية. وحده التيار أصدر بياناً تميّز فيه عن القوات والكتائب، في حين صمتت القوات نهائياً وأصدر الكتائب بياناً متأخراً دعا إلى مناقشة القرارات لا إلغائها، علماً أن رئيسه سامي الجميل العضو في النقابة لم يلتزم منذ صدور التعديلات بأخذ الإذن قبل ظهوره الإعلامي.