بشكل عام، تضع المرأة الحجاب لتزيح الأنظار عنها، إلا أن الأنظار لا تنفكّ تلاحق حجابها، وتطرحه على طاولات النقاش، وتستخدمه مادّة دسمة للسجال الافتراضي، تهاجمه في الإعلام وتشوّهه في الأعمال الدرامية. ومع أن الحجاب فريضة دينية، يكفل الدستور الحرية لمُرتدياته، ينظر إليه البعض كثقافة هجينة أو بعيدة عن الثقافة اللبنانية، ولا سيما حجاب شريحة من النساء الشيعيات المتمثل بعباءة الرأس أو «التشادور»، الذي لا يراه البعض غير إيديولوجيا مستوردة من الخارج «لا تشبهنا»، لا يتآلفون معها، فيحاربونها بشتى الطرق.خلال أقلّ من شهر وُضع الحجاب تحت المِجهر ثلاث مرّات في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
أول مرة، شُنّ هجوم على عرض أزياء خاص بالمحجبات نظّمه أحد المحال، لسببين، أولهما، أسلوب استعراض الحجاب الذي «يتنافى مع رمزيته»، وثانيهما شكل الحجاب الذي «يتنافى مع معايير السترة والحشمة». علماً أنّ استعراض ثياب المحجبات ليس أمراً جديداً، فصفحات الإنستغرام مليئة بصور ومقاطع فيديو لفتيات شابّات يستعرضن الحجاب والثياب الخاصة بالمحجّبات بوضعيات مختلفة. الجديد في الشكل، يبدو أن المحلّ يحاول استنساخ عروض الأزياء الضخمة، تمايُل العارضات على المسرح، الموسيقى الصاخبة، والأضواء المسلّطة وفلاشات الكاميرات، لكن بنسخة شرقية، أبطالها عارضات محجّبات. وهذا «الغزو الثقافي»، كما سمّاه مغرّدون، «هدفه ضرب الحجاب كأداة في الحرب الناعمة».
في المرة الثانية، أثار مشهد من مسلسل «النار بالنار» جدلاً واسعاً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت فيه الممثلة السورية كاريس بشار، التي تؤدي دور اللاجئة السورية في لبنان «مريم» عند مصوّر، لاستخراج جواز سفر لبناني مزوّر. أُجبرت مريم على خلع «غطاء الرأس» بحجة أن صورتها بالحجاب تفضح جنسيتها السورية، وغير مقنعة كلبنانية. هناك من رأى ذلك «عدم الاعتراف بفئة من النساء والفتيات في لبنان يرتدين الحجاب»، وهناك من سألت: «هل من ضرورة لأصور بطاقة الهوية لأظهر أنني لبنانية محجّبة؟». الاستياء طاول أيضاً تعليق الممثل السوري عابد فهد الذي يؤدي دور عمران: «هيك أحلى وهيك آمن»، لما رأوا فيه من «تكريس لصورة المرأة المحجّبة غير الجميلة والتي تهدّد الأمن».
في المرة الثالثة، حلّ الحجاب ضيفاً في لقاء تلفزيوني مع الممثل اللبناني طارق تميم، وكانت النساء الجنوبيات المقاومات ولباسهن محور الحديث. استعاد تميم «أمجاد» المرأة الجنوبية: «ما في أحلى منها بالفساتين المنقّشة بالورود والقمطة وليس بالتشادور»، وردّت عليه المذيعة: «لقد غيّروا الإيديولوجيا». لم يهضم كثيرون كلام تميم لما اعتبروه «تعدياً على الحرية الشخصية». وقال أحدهم عبر حسابه في تويتر: «ما علاقتك بما يلبسه غيرك؟ لماذا لا تحترم اختلاف الثقافات؟».
هذه السجالات الأخيرة ليست إلا عينة مما شهدناه سابقاً من حوادث تطاول الحجاب دوماً بسهام الانتقاد، ويتوقع أن نشهدها باستمرار. وإذ كان البعض يرى في إثارتها إساءة مقصودة وممنهجة إلى الحجاب في إطار الحرب الثقافية، إلا أنّ الثابت أنّها تؤكد على ثقافة اجتماعية لا تزال تعطي لنفسها الحق في التعليق على كلّ ما يخصّ المرأة، بدءاً من «الإيديولوجيا» التي تختار اعتناقها، وصولاً إلى الثياب التي ترغب في ارتدائها. معتنقو ثقافة «الفساتين الموردة»، لا يختلفون في سلوكهم عن الذين يقولون إنه سلوك الثقافة التي يرفضونها: هم أيضاً لا يجدون في المرأة ما يستحق الإضاءة عليه إلا ما يجب أن ترتديه، وما يجب أن تعتنقه من أفكار. لا تسمية لإيديولوجيا مماثلة، تحجّب نفسها بمصطلح كبير كالحرية، إلا «إيديولوجيا التعتير».