تقدّم المحامي محمّد خير الكردي بوكالته عن عدد من الناشطين باستدعاء إلى القاضي الشرعي السني في بيروت الشيخ وائل شبارو ضدّ مجلس أمناء وقف البر والإحسان، ممثلاً برئيسه عمّار حوري، لـ «التدقيق والتحقيق في أعمال مجلس أمناء وقف البر والإحسان والمؤسسات التابعة له، خصوصاً جامعة بيروت العربية، وذلك من الناحية المالية والإداريّة، ومدى مُطابقتها للنظم الشرعيّة للوقف، وضبط المُخالفات في حال وجودها واتخاذ التدابير اللازمة عند الاقتضاء».ويشير مُتابعون إلى ضغوط تُمارس على القضاء الشرعي من أجل «لفلفة» الملف، عبر اتصالات بدأها الرئيس فؤاد السنيورة، ومحاولة مماثلة لمفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان الذي توكّل أحد المحامين المحسوبين عليه للدفاع عن مجلس الأمناء. في المقابل، يُنقل عن الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري والوزير السابق محمّد شقير وقوفهما إلى جانب الناشطين.
بحسب مصادر متابعة، فإنّ ما فتح الباب أمام الحديث عن هذه المُخالفات هو سعي بعض أعضاء مجلس الأمناء إلى «تطيير» رئيس الجامعة عمرو جلال العدوي (يحتل منصبه منذ أكثر من 15 عاماً وتنتهي ولايته في آب المقبل)، وإقناعهم مسؤولين في «جامعة الإسكندريّة» (تتبع لها «العربية») بتعيين وائل عبد السلام رئيساً للجامعة. واطّلعت «الأخبار» على ملاحظات مكتوبة بخط يد العدوي حول مخالفات في الجامعة، منها أنّ بعض أعضاء مجلس الأُمناء والأساتذة إما لا يحملون شهادات جامعيّة تُجيز لهم التعليم أو قاموا بتزوير شهاداتهم.

بيْع عقارات؟
وتضمّنت ملاحظات العدوي إشارة إلى سوء إدارة في الجامعة، وإلى وجود موازنة منفصلة لها عن موازنة وقف البر والإحسان الذي أنشئ عام 1985، فيما تنص حجّة الوقف على أن كل العقارات والمؤسسات المملوكة من قبل الجمعيّة هي وقف خيري، كما أنّ المادة الثانية من نظام مجلس الأُمناء تنص على أنّ «الوقف يتكوّن من عقارات ومنشآت وممتلكات ومعدات وتجهيزات جامعة بيروت العربية في لبنان والخارج».
ويشير الناشطون أيضاً إلى «شبهات» تحيط بعمليات بيع عقارات «بطرق ملتوية» لم تستفد الجمعيّة من ثمنها، منها شقق في «مبنى ميرزا» في الطريق الجديدة، وشقّة لإحدى المسؤولات في الجمعيّة من آل منيمنة، و«لم يُعرف مصير المبالغ التي قُبضت ثمناً للعقارات». وهو ما ترد عليه مصادر قريبة من مجلس الأمناء بأنه «اتهامات بلا أدلة». ويوضح هؤلاء أن شقق «مبنى ميرزا» بيعت بعدما أجّرت زوجة المتبرّع الشقق. وبعد وفاتها لم يتمكن مسؤولو الجمعية من إخلاء الشقق أو الاستفادة منها، فاضطروا لبيعها إلى المستأجرين أنفسهم قبل أكثر من 10 سنوات، «وهذا مبيّن في وثائق لا يزال مجلس الأمناء يحتفظ بها».
وهذا ما يردّ عليه الناشطون في متن الدعوى بالإشارة إلى «عدم احتواء ملف الوقفية أي مستندات أو كشوفات أو بيانات محاسبية، وعدم تزويد المحكمة الشرعية بالعقارات التابعة للوقفية والتي لحقت بالوقف بعد نشأته، ما يجعل التصرف بها مرهوناً بمزاجية مجلس الأمناء الحالي خلافاً لإرادة الواقف».

من يراقب من؟
ويتهم النّاشطون «البر والإحسان» بالتحول إلى «جمعيّة عائليّة»، مع وجود خمسة من أصل 12 من أعضاء المجلس من آل حوري (عمّار، عمر، محمد، أيمن، محمّد) إضافة إلى ابن عمتهما (محمد برهومي) وابن خالتهما (سمير طرابلسي). كما يأخذون على هؤلاء تجاوز المهمّة الموكلة إليهم بمراقبة إدارة المؤسسات التابعة للجمعية ليتحوّلوا إلى موظفين في الجامعة، في مخالفة للبند الثاني من المادة الرابعة من نظام الوقف الذي ينص على أنّ «تولية الرئيس والأعضاء على الوقف هي تولية تطوّعية حسبةً لله تعالى، لا يُقابلها أية رواتب أو مكافآت أو تعويضات ماليّة من الوقف». ويؤكد الناشطون أنّ عدداً من أعضاء مجلس الأمناء وزوجاتهم وأبنائهم يعملون في الجامعة، من بينهم مساعد عميد كلية الطب محمد توفيق حوري الذي يُدرّس في الكلية، والقاضي المتقاعد فوزي أدهم الذي يُحاضر في كلية الحقوق والعلوم السياسيّة، ويعمل نجله عبدالله في مكتب التسجيل، فيما تتولى زوجة رئيس الوقف عمّار حوري، زينة العريس، منصب مديرة العلاقات العامة في الجامعة، فيما تتوزع خمس من بنات أحد أعضاء مجلس الأمناء وصهره وابنة شقيقه على مختلف الكليات.
كذلك يُخالف رئيس الجمعيّة عمار حوري البند الثالث من المادة الرابعة التي تشترط ألا يكون عضو مجلس الأُمناء منتسباً إلى أي حزب سياسي، فيما كان حوري نائباً ومنتسباً إلى تيار المستقبل، وقد عيّنه الرئيس سعد الحريري عام 2019 مستشاراً في مكتبه ولم يصدر أي قرار بعدها يُلغي المهام الموكلة إليه، على رغم ابتعاده عن النشاط السياسي والإطلالات الإعلامية منذ أكثر من عامين.
من يفترض أنّهم يُراقبون إدارة جامعة بيروت العربيّة يعملون فيها مع أقاربهم!


بناء على هذه المعطيات، جاء في متن الدعوى أنّ «أعضاء مجلس أمناء الوقف استفادوا من خدمات وامتيازات ماليّة من المؤسسات التابعة للوقف، ومن بينها الجامعة العربيّة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وبما يتعارض مع نص المادة الرابعة. كما جمع بعضهم بين ولايتهم الرقابية وبين دورهم الإداري الوظيفي في الجامعة مقابل أجر، ما يُشكّل تضارباً في المصالح وفي شفافيّة الرقابة». فيما «توظيف أقاربهم في المؤسسات التابعة للوقف في وظائف إداريّة مؤثرة يُشكّل استفادة غير مباشرة وعدم انضباط الرقابة على الوقف».
في المقابل، يؤكّد عمّار حوري لـ«الأخبار» أنّ كلّ ما جاء في الدعوى «محض كذب ومجاف للحقيقة. وهي سابقة في تلطيخ سمعة مؤسسة لا غُبار عليها»، معتبراً أنّ «هناك قطبة مخفية في الدعوى»، ومفضّلاً عدم الرد في الإعلام بل ترك الأمور للقضاء. وعن الشهادات المزورة، قال: «إذا كان ما يقولونه صحيحاً فليقدّموا أدلّتهم»، معتبراً أنّ وجود أكثر من عضو من آل حوري في مجلس الأُمناء «ليس جديداً، وهذا الواقع موجود منذ تأسيس الجمعيّة»، متمنياً عدم فتح هذا الملف إعلامياً. وهو أيضاً ما تمنّاه القاضي المتقاعد فوزي أدهم بحجة أنّه ما زال عاملاً في القضاء ولا يستطيع التصريح باسمه، علماً أنّه تقاعد منذ سنوات!