طهران | تدهورت علاقات إيران مع جارتها الشمالية آذربيجان، مجدّداً، خلال الأيام القليلة الماضية، فيما دخلت إسرائيل على الخطّ هذه المرّة. وبدأت الجولة الجديدة من التصعيد، بعدما افتتحت باكو، الأربعاء الماضي، سفارتها رسمياً في تل أبيب، في وقت تُبدي فيه طهران تحسّساً تجاه تطور العلاقات بينهما، وتعتبره تهديداً مُوجّهاً ضدّها، ويقلقها احتمال وجود إسرائيل، بوصفها عدوّها الأوّل، وقيامها بدور بجوار الحدود الإيرانية. وفي هذا السياق، أثارت تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، خلال لقائه نظيره الآذربيجاني، جيحون بايراموف، المزيد من الهواجس لدى إيران، بقوله إن إسرائيل وآذربيجان «تواجهان تهديدات موحّدة»، وإن «لديهما فهماً مشتركاً إزاء التهديدات الإيرانية». وتعقيباً على هذه التصريحات، رأى المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في اليوم التالي، أن إسرائيل تريد استخدام أراضي آذربيجان «لتهديد الأمن القومي» للجمهورية الإسلامية، مؤكداً أن بلاده «لن تقف مكتوفة الأيدي» أمام تلك «المؤامرة». وطالب كنعاني السلطات الآذربيجانية بتقديم إيضاحات، لكن المتحدّث باسم الخارجية الآذربيجانية، أيهان حاجي زادة، خرج في اليوم التالي ليتّهم طهران بإطلاق التهديدات ضدّ بلاده، زاعماً أن التحقيقات الأوّلية المتّصلة بمسألة الهجوم المسلّح على فاضل مصطفى، النائب في البرلمان الآذربيجاني والمعروف بمواقفه المعادية لإيران، تشير إلى «ضلوع» الأخيرة في الحادث. وردّاً على ذلك، قال المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية على الفور إن «استمرار صمت» باكو على تصريحات كوهين، يمثّل «تأييداً وتأكيداً ضمنياً» لها، مضيفاً إن المتحدّث باسم خارجية آذربيجان «تنصّل من إعطاء الردّ وراح يوجّه تهماً جديدة ضدّ إيران».وتزامناً مع تصاعد حدّة لهجة المسؤولين السياسيين الإيرانيين والآذربيجانيين، أقدمت المؤسّسات العسكرية لكلا البلدين على إطلاق التصريحات الهجومية، إحداها ضدّ الأخرى. إذ تحدّث قائد القوات البرّية للجيش الإيراني، كيومرث حيدري، في وقت سابق، عن «وجود الإرهابيين السوريين» خلال حرب قره باغ، قائلاً إن هؤلاء استُدعوا إلى المنطقة، وإن «إيران لا تملك أيّ دليل دامغ يؤكّد خروجهم منها». وتعقيباً على تصريحات حيدري، أصدرت وزارة الدفاع الآذربيجانية، يوم الخميس الماضي، بياناً رأت فيه أنّ تصريحات قائد القوّات البرّية الإيرانية «مثيرة للسخرية»، وقالت إن «المسؤول العسكري الكبير للبلد الذي يدعم الإرهاب، لا يحقّ له إطلاق اتّهامات كهذه ضدّ جمهورية آذربيجان». وكانت آذربيجان قد أغلقت سفارتها في إيران في كانون الثاني في أعقاب ما سمّته «هجوماً إرهابياً» استهدفها، وأدّى إلى مقتل مسؤول أمني. وبينما عزت طهران الحادثة إلى «مشاكل شخصية»، رفضت باكو هذا التوضيح.
ألقت السلطات الآذربيجانية القبض على عدد من مواطنيها بتهمة التجسّس لمصلحة إيران


وتتّهم إيران، منذ مدّة، جارتها الشمالية بإذكاء «النزعة الانفصالية». في المقابل، ألقت السلطات الآذربيجانية القبض على عدد من مواطنيها بتهمة التجسّس لمصلحة إيران، فيما تُتّهم الأخيرة بدعم المجموعات الإسلامية «الشيعية» التي تعارض حُكم الرئيس الآذربيجاني، إلهام علييف. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الداخلیة الآذربيجانية، أمس، اعتقال أربعة أشخاص للاشتباه في مشاركتهم في محاولة اغتيال فاضل مصطفى. كما اتّهمت الأجهزة الأمنية الآذربيجانية، طهران، بأداء دور في الواقعة، ما من شأنه مفاقمة التوتّر بين البلدَين. وفي غمرة هذا التصعيد، ذكرت وكالة أنباء «تسنيم»، القريبة من «الحرس الثوري»، أوّل من أمس، أن «وزارة الخارجية الإيرانية تعتزم تغيير عباس موسوي، سفيرها في باكو، وإيفاد مجتبى دميرجي لو، الذي كان سفيراً لإيران في كازاخستان، ليحلّ محله». وإذ لم تُعلَن أسباب ذلك التغيير المفاجئ، إلّا أن الأوساط الإعلامية القريبة من الحكومة و»الحرس الثوري»، كانت قد وجّهت، خلال الأشهر الأخيرة، سهام نقدها باتجاه موسوي، ووسمته بـ«قلّة النشاط» و«الانفعال».
وتعود جذور التصعيد بين طهران وباكو إلى القضايا الجيوسياسية في قره باغ، التي يدور خلاف منذ سنوات عدّة بين آذربيجان وأرمينيا حولها. وتشترك هذه المنطقة مع إيران بحدود يبلغ طولها نحو 28 كلم، وتخضع للسيطرة الأرمينية، بينما تنوي السلطات الآذربيجانية، من خلال إيجاد ممرّ فيها يُعرف بممر «زنكه زور»، الوصول إلى جمهورية نخجوان ذات الحُكم الذاتي (والتي تُعدّ جزءاً من أراضي جمهورية آذربيجان). بيد أن طهران ويريفان تعارضان نيّة باكو تلك، بالنظر إلى أن إنشاء الممرّ المشار إليه يُفقد إيران الميزة «الترانزيتية»، خلال التنقل البرّي بين آذربيجان ونخجوان وتركيا. كذلك، تخشى إيران من أن يؤدّي إنشاء معبر بين آذربيجان ونخجوان، إلى إرباك التنقّل البرّي بين الأولى ومنطقة القوقاز، وجعل طهران أكثر اعتماداً على تركيا للوصول إلى أوروبا. والجدير ذكره، هنا، أنه في ظلّ تكثيف العقوبات الدولية ضدّ الجمهورية الإسلامية، فإنّ بعض التقارير تشير إلى أن الأخيرة تستخدم هذه الحدود الضيّقة، للالتفاف على العقوبات، وهي قلقة من أن تخسرها. يضاف إلى ما تَقدّم، خشية طهران من التقارب المتنامي بين باكو والعدو الإسرائيلي، الذي صار يعدُّ أكبر مورّد للسلاح لآذربيجان، فضلاً عن استيراده 40% من النفط الذي يحتاج إليه منها، في ما يمثّل من وجهة نظر إيران تهديداً جوهرياً لمصالحها الأمنية والاستراتيجية.