غزة | تعرض غزاويون كثيرون لخسارة لا تقل عمن أصيب في هذه الحرب، وخاصة ممن سُمح لهم الحظ بالعودة إلى غزة في الأشهر الثلاثة من العام الجاري، لزيارة العائلة أو لمآرب أخرى، فهم على عيشهم هذه الحرب والنجاة منها لا يستطيعون الآن العودة إلى البلاد التي يحملون فيها إقامة عمل أو دراسة.
من هؤلاء المواطن محمد كامل، الحامل للإقامة الاماراتية، فهو يتهم السلطات المصرية بمنعه من رؤية طفله البكر الذي لم يبلغ أربعة أشهر، بعدما كانت والدته قد أنجبته في غزة خلال زيارتها القطاع في نيسان الماضي، ومنذ أن وضعته وهي تجري محاولات حثيثة للخروج من غزة، لكنها تصطدم بإقفال المعبر من الجانب المصري، من حين إلى آخر.
المواطن كامل الذي يقيم الآن في إمارة دبي، وجه مناشدة عبر «الأخبار» مفادها بضرورة الإسراع في أن تعمل السلطات المصرية على تسهيل خروج الحالات الإنسانية من غزة، قائلا: «أليس من حقي أن أرى طفلي بعدما نجا وأمه من الحرب (...) أليس هذا أيضا حدثا إنسانياً يستحق من الأمن المصري القائم على إدارة المعبر أن يتجاوب معه؟».

تتضاعف أعداد المواطنين الراغبين في السفر فضلا عن آلاف الجرحى والمرضى


وهذا وجه آخر للمعاناة الفلسطينية مع المعبر، الذي وقع قيد التجاذب في مباحثات التهدئة لجهة إدراجه ضمن اتفاق إنهاء الحرب أو تأجيل فتحه باتفاق مصري ـــ فلسطيني لاحقا، والوجه الأول هم العالقون على الجانب المصري، وجرى إدخال بعضهم على دفعات قليلة أخيرا رغم تعرضهم لخطر الموت خلال الحرب (راجع العدد ٢٣٤٩ الإثنين ٢١ تموز ٢٠١٤).
وتنتظر قائمة طويلة من آلاف المواطنين الفلسطينيين أن يسمح لها بالسفر عبر هذا المنفذ البري الوحيد الذي يصل غزة بالعالم الخارجي، وكانت متفائلة باستغلال وقف إطلاق النار الذي بدأ الثلاثاء الماضي، لكن عراقيل فتحه بين وقت وآخر تحول دون سفر المئات، الأمر الذي يسبب مضاعفة القوائم المعدة للسفر.
ووقف شادي الدنف، وهو شاب من غزة يحمل الإقامة الجزائرية، على بوابة المعبر. ظل يلعن الحصار الذي قال إنه سبب هذه المعاناة التي يعيشها مئات المواطنين، وخاصة حملة الجوازات الأجنبية والإقامات في الخارج، إضافة إلى الحالات المرضية.
وقال الدنف، الذي انتهت إقامته بسبب إغلاق المعبر عليه، بعدما دخل القطاع قبل عدة أشهر، إنه سعى جاهدا إلى مغادرة غزة في نيسان الماضي، «وذلك قبل انتهاء إقامتي بنحو شهرين، لكن إغلاق المعبر حال دون ذلك»، مشيرا إلى أنه يتطلع إلى تساهل السلطات الجزائرية مع الفلسطينيين المنتهية إقاماتهم جراء الحرب الأخيرة.
ولا يزال معبر رفح يحتل جزءا من مباحثات وقف النار بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل برعاية مصرية، بل قد يكون الشعرة التي تكسر ظهر الاتفاق، وخصوصا أن المقاومة اشترطت فتح المنفذ البري ضمن إنهاء حالة الحصار، لكن، وفق ما رشح من مصادر موثوق بها، فإن القاهرة ترفض ربط المعبر بالحصار ضمن محاولة للتنصل من المسؤولية عن طوق الخناق الذي يلتف على عنق القطاع.
وتبرر مصر إغلاق المعبر بغياب حكومة الوفاق الفلسطينية حتى تتولى إدارته بدلا من الأمن التابع لحركة «حماس»، وهي أيضا تؤجل الحديث عن آلية فتحه والوقت الممكن لذلك، مع أنها ربطته بعودة حرس الرئاسة إلى الحدود، الأمر الذي لم تظهر بوادره بعد.
في الجانب الفلسطيني، قال المدير العام لهيئة المعابر والحدود، ماهر أبو صبحة، إن السلطات المصرية هي التي تحدد أعداد المسافرين خلال الفتح الجزئي للمعبر، مشيرا إلى السماح بمرور خمسة حافلات تقل نحو 550 مسافرا، «أي بمعدل 100 مسافر في كل حافلة». وأوضح لـ«الأخبار» أن هناك معاناة شديدة جراء تكدس أعداد كبيرة من المواطنين على المعبر لرغبتهم في السفر، «علما بأنه في الوقت الحالي فإن حاجة غزة للسفر يوميا هي ما بين ألف إلى 1200 مسافر».
وأكد أبو صبحة أن هناك كشوفا معلقة منذ نيسان الماضي، ولم يحالفها الحظ في السفر نظرا إلى إعطاء الأولوية للحالات المرضية والإصابات، إضافة إلى أصحاب الإقامات، مبينا أن الآلية المعتمدة لدى الجانب المصري أمنية، وتقوم على ترحيل المسافرين مباشرة إلى مطار القاهرة دون السماح لهم بدخول مصر.
في غضون ذلك، اشتكى المواطن أيمن الديراوي مما سماها الفوضى القائمة على المعبر، وقال إن سببها تعطيل فتح المعبر لمدد طويلة، لكنه حمل أيضا السلطات الفلسطينية جانبا من التقصير المتعلق بالترتيب الإداري والتنظيمي للمسافرين.
وقال الديراوي الذي أمضى نحو ثماني ساعات منتظرا السماح له بتسليم جواز سفره، إنه عاد موسوما بالإحباط، نظرا إلى غياب التنسيق على الجانب الفلسطيني وفقدان التخطيط، مؤكدا أن هناك نقصا في عدد الموظفين العاملين بسبب ظروف الحرب، «إضافة إلى غياب الإرشادات المكتوبة التي تحفظ النظام والهدوء في الصالة بعد أن يتكدس فيها مئات المواطنين».
واعتمدت السلطات المصرية طريقتين للسماح لمرور الفلسطينيين في الأيام الماضية، الأولى هي تسليم الأشخاص الجوازات مسبقا، ثم أخذ الموافقة عليها أو العكس، والطريقة الثانية تقديم جوازات السفر عبر ما يعرف بالتنسيق الأمني على المعبر، فيسمح بعبور الأشخاص مقابل دفع مئات الدولارات التي يقال إنها تسلم إلى الاستخبارات المصرية.
وحتى إعداد هذا التقرير، لم تظهر صورة واضحة عن مصير معبر رفح، لكن آمال الفلسطينيين معلقة بهذه القضية التي أرهقتهم على مدار أعوام.