في زيارة يمكن النظر إليها على أنها تتويج لبدء مرحلة جديدة في العلاقات السورية – الروسية من جهة، والسورية - الإقليمية من جهة أخرى، حطّ الرئيس السوري، بشار الأسد، رحاله في موسكو على رأس وفد حكومي، ضمّ خمسة وزراء، بينهم وزيرا الخارجية والدفاع، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين، لتوقيع عدد من الاتّفاقات بين البلدَين، وإجراء لقاء ثنائي مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الذي تقوم ببلاده بدور أساسي في مساعي حلّ الأزمة السورية المستمرّة منذ 12 عاماً. ويأتي ذلك بالتزامن مع تغيّرات سياسية، إقليمية وعربية، في التعاطي مع دمشق، التي كانت حتى وقت قريب تعيش حالة قطيعة، وهو ما يعطي هذه الزيارة أهمّية مضاعفة لِما قد يَتبعها من تحرّكات يؤمل أن تمهّد للوصول إلى تسوية شاملة، في ظلّ تعثّر المسار الأممي (اللجنة الدستورية) للحلّ، وتعاظم فعالية المسار الروسي المستمرّ، والذي أفضى إلى تجميد القتال، وفتْح الباب أمام عمل سياسي تحاول واشنطن باستمرار إجهاضه
قضايا عديدة ناقشها الرئيس السوري، بشار الأسد، مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، خلال الزيارة التي أجراها الأول إلى موسكو، والتي حظيت باهتمام إعلامي روسي وعربي كبير، لما يُتوقّع أن يكون لها من آثار كبيرة على مسارات حلّ الأزمة السورية من جهة، والاتفاقات المتعدّدة بين البلدين، والتي تتعلّق بالمجالات الاقتصادية والعسكرية، من جهة أخرى. الأسد الذي استهلّ زيارته الرسمية بزيارة ضريح الجندي المجهول، أجرى لقاءً ثنائياً مع نظيره الروسي، سبقه مؤتمر صحافي مقتضب مشترك، رحّب خلاله بوتين بضيفه، فيما عبّر الأسد عن شكره لروسيا على المساعدات الكبيرة التي قدّمتها لمواجهة تداعيات الزلزال، وخصوصاً وزارة الدفاع والجيش الروسي الذي ساهم مباشرة في إنقاذ المصابين، مشيراً إلى أن «اللقاءات بين مسؤولينا لا تنقطع ولكن التغيّرات الدولية خلال العام الماضي تتطلّب منا أن نلتقي لوضع تصوّرات مشتركة لهذه المرحلة»، مؤكداً أن زيارته «ستمهد لمرحلة جديدة في العلاقات بين بلدَينا في جميع المجالات».
وبالنظر إلى طبيعة الوفد الذي رافق الأسد في زيارته، والذي يضمّ إلى جانب وزيرَي الخارجية والدفاع، وزيرَي الاقتصاد والمالية، بالإضافة إلى رئيس هيئة تخطيط الدولة، تبدو الزيارة متكاملة الأركان بأبعادها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وهو ما يعني توسيع نطاق التعاون بين البلدَين الحليفين، والذي ساهمت الحرب السورية، والتدخّل الروسي بطلب من دمشق فيها عام 2015، في توثيقه عبر أشكال متعدّدة، على رأسها حضور عسكري روسي في المياه الدافئة من خلال قاعدتَين قدّمتهما سوريا لحليفتها (حميميم وطرطوس)، فضلاً عن قواعد تكتيكية عديدة في شمال وشمال شرق البلاد. ويُضاف إلى ما تَقدّم، الحديث عن فتْح خطّ ائتمان روسي لتأمين الوقود الذي تحتاج إليه سوريا، ومواد غذائية أخرى من بينها القمح، والمساهمة في عمليات إعادة الإعمار، وإنشاء مشاريع مشتركة. ولا يغفَل، هنا أيضاً، الشقّ العسكري البالغ الأهمية، حيث تُعدّ روسيا المورّد الأوّل للأسلحة السورية، فيما تعرّضت توريدات بعض الأنواع المنتظَرة منها (طائرات ومنظومات دفاع جوي) لعراقيل خلال السنوات الماضية، الأمر الذي قد يتمّ تجاوزه، وخصوصاً بعد ارتفاع مستوى الحساسية بين روسيا وإسرائيل، بسبب موقف الأخيرة من الحرب في أوكرانيا.
تبدو زيارة الأسد لموسكو متكاملة الأركان بأبعادها السياسية والعسكرية والاقتصادية


الزيارة التي تزامنت مع الجهود الروسية - الإيرانية المشتركة لفتح الأبواب المغلقة بين تركيا وسوريا، والتي تواجه هي الأخرى بعض العراقيل بسبب استعجال أنقرة، وإصرار دمشق على وجود أرضية موضوعية لهذا الانفتاح، تشمل وضْع خطّة واضحة لسحب القوّات التركية غير الشرعية من سوريا، وتأتي أيضاً لتُقدّم دفعة لهذه الجهود عبر مناقشة «العديد من التساؤلات بشأن تنفيذ الاتفاقيات التي تمّ التوصل إليها في الاجتماعات السابقة»، وفق بيان أصدرته الخارجية الروسية. وأشار البيان إلى أن الوزير سرغي لافروف عبّر لنظيره السوري، فيصل المقداد، عن دعم بلاده للتوجّه العربي للانفتاح على دمشق، وقال: «سندعم هذا الاتّجاه الإيجابي والمشاعر الإيجابية في العالم العربي خلال الاجتماع الوزاري المقبل، المزمع عقده بين روسيا وجامعة الدول العربية خلال الأشهر المقبلة».
وخلال الشهرَين الماضيين، وعلى الرغم من المعارضة الأميركية الصريحة، والمحاولات المستمرّة لمنع أيّ انفراجات سياسية في القضية السورية، شهدت العلاقات السورية – العربية مزيداً من الانفتاح بشكل ثنائي، تجلّى في ارتقاء التواصل بين دمشق وعواصم عربية عديدة؛ من بينها القاهرة وتونس إلى مراحل متطوّرة، وسط استعدادات تُجريها الرياض بدورها للانخراط بعلاقات مباشرة مع دمشق. ويجيء ذلك بالتوازي مع تغيّرات سياسية بارزة في المنطقة، أهمّها عودة العلاقات السعودية - الإيرانية، ما يرشّح القمّة العربية التي ستستضيفها الرياض لأن تكون القمّة التي تعود فيها سوريا إلى مقعدها، بعد تعثّر الجهود الجزائرية في هذا الاتّجاه خلال النسخة السابقة، علماً أن روسيا، ومعها الإمارات وسلطنة عُمان، أدّت دوراً بارزاً في تدفئة الأجواء بين الجانبَين السعودي والسوري.