منذ اللحظة الأولى لصدور الإعلان السعودي - الإيراني، كان رد الفعل الأولي لدى حلفاء الرياض وطهران تريثاً في مقاربة نتائج هذا الإعلان وانعكاساته على لبنان، لا سيما أن إعلاناً بهذا الحجم يتطلّب وقتاً لفهم خلفياته وأبعاده، كما تفعل العواصم الغربية، من غير تسرع في استخلاص نتائجه. في الساعات التالية، بدت المعارضة مهتمة بمعرفة ما ينعكس على لبنان، عملياً، في مرحلة كانت تصلها مواقف سعودية متشددة من أي تسوية مع حزب الله في ما خص لبنان وانتخابات الرئاسة فيه. وعلى رغم يقين المعارضة بأن لبنان ليس بنداً منفصلاً، لأن التراتبية تقتضي وضع اليمن والعراق وسوريا ولبنان في بنود المتابعة الثنائية. علماً أن مؤشرات الحوار بين الرياض وطهران بدأت قبل مؤتمر «بغداد 2» الذي عقد في الأردن في كانون الأول الفائت، عندما أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان استعداد بلاده للحوار مع إيران. حينها، كان لبنان من ضمن البنود الحوارية والكلام الجدي بينهما حول رئاسة الجمهورية والحكومة، لكن بقيت لليمن حصة أكبر في ترتيب أوراق البلدين بما يضمن مصالحهما فيه، تمهيداً للانتقال إلى ملفات أخرى.ما وصل إلى قوى أساسية في المعارضة، عبر أقنية إقليمية، بحسب ملامح أولى للاتفاق بصيغته الأخيرة، هو أن طهران والرياض اتفقتا على «تسهيل الانتخابات الرئاسية»، لكن مع تقدم كل منهما خطوة إلى الأمام. وهذا يعني، خلافاً لترويج بعض قنوات الثنائي الشيعي للاتفاق على أنه انتصار لمرشحهما، تخفيفاً من الطرفين للسقوف العالية التي كانت لا تزال تتصرف القيادات الحليفة لهما ضمنها. وانطلاقة الكلام الرئاسي تقتضي حواراً من دون تصلب، فلا السعودية تتمسك في ظل ترتيب التسوية بمرشح من فئة معارضي حزب الله، ولا إيران تتمسك بمرشح حليف لها. وأي حوار يقتضي التوصل إلى مساحة مشتركة يعني تخلي المعارضة عن مرشحها النائب ميشال معوض مقابل تخلي قوى 8 آذار عن مرشحها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وفي ذلك ضربة سريعة لتبني الرئيس نبيه بري وللأمين العام لحزب الله ترشيح فرنجية، وتراجعاً لقوى المعارضة من قوات لبنانية وكتائب و«تجدد» عن ترشيح معوض. علماً أن رئيس حزب القوات سمير جعجع أعطى، أمس، أول إشارة عن احتمال التخلي عن معوض قائلاً «مستمرون في ترشيح ميشال معوّض في الوقت الراهن إلا أننا منفتحون على التشاور مع قوى المعارضة في أي اسم بديل لديه المواصفات المطلوبة ويمكنه توحيد صفوف المعارضة والحصول على 62، 63، 64 أو 65 صوتاً».
لأن الاتفاق الإقليمي تم من دون رضى واشنطن يستحيل التكهن كيف يمكن أن يمر أي اتفاق رئاسي مماثل بعيداً من تأثيراتها


هذه الإشارات ستعيد القوى المعارضة والثنائي الشيعي وحلفاءه إلى المساحة المشتركة بين المرشحين الوسطيين، عبر مواصفات تتحدث عن شخصيات دستورية وقانونية وغير حزبية مقبولة من معظم الأطراف. وترى المعارضة احتمال مطابقتها مع النائب السابق صلاح حنين، الذي يسوّق له رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ولا يجد ممانعة لدى أطراف في المعارضة، وبعض قيادات في قوى 8 آذار. ما يؤدي حكماً إلى تطيير ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون وأسماء أخرى تدور في فلك الطرفين.
ولأن التفاهم حول تسهيل الرئاسة يعني كلاماً جدياً في المواصفات والشخصية، فإنه يشمل كذلك الكلام عن الحكومة. إذ تتمسك السعودية بأن يكون المرشح لرئاسة الحكومة أيضاً من خارج أي مقايضة، وهي ما زالت عند موقفها بعدم الدخول في بازار حول رئاسة الحكومة في تسوية تضمن رئيساً لست سنوات، لكنها لا تضمن رئيس حكومة للفترة نفسها كون رئيس الحكومة خاضعاً لمتغيرات سياسية مختلفة. وهذا يعني أن أي مقايضات من تلك التي طرحت سابقاً لا تزال مرفوضة.
هذه المعلومات الأولية يقابلها تريث وأسئلة عن كيفية ترجمة هذا الاتفاق لبنانياً، بعيداً من الموافقة الأميركية عليه. فمن الصعب تصور انتخابات رئاسية من دون غطاء أميركي، ولأن الاتفاق الإقليمي تم من دون رضى واشنطن، من المستحيل التكهن كيف يمكن أن يمر أي اتفاق مماثل بعيداً من تأثيراتها، ومن المرجح أن تقف واشنطن بالمرصاد لكل مفاعيله من الصين إلى المنطقة ولبنان ضمناً. وهذا من شأنه أن يثير المخاوف ضمنياً من محاولات عرقلة ترتيبات تسووية في لبنان، الأمر الذي قد يعيده ساحة تجاذبات أميركية - إيرانية - سعودية. وهذا ليس أمراً سهلاً على المعارضة لأنه يضعها أمام خيارات حساسة في المفاضلة بين تأثيرات واشنطن وإرادة السعودية وخياراتها الإقليمية، وانعكاس ذلك عودة التوتر الأمني ومفاعيله في ساحة كانت واشنطن لا تزال ترعى استقرارها. ما يضع على المحك الوضع السياسي والأمني بعد الاتفاق الإقليمي في انتظار مزيد من بلورة اتجاهاته.