تراجعت، على نحو لافت، حدّة التوتر في طرابلس، بعد انكفاء المسلحين وحراك بعض المحتجين على ما يحصل في عرسال، في مقابل استعادة الجيش زمام المبادرة، وقيامه بدوريات وحملات دهم شملت خصوصاً سوريين مشتبهاً في انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية أو دعمهم لها، وذلك في طرابلس وزغرتا والكورة.
ولفت كثير من الشخصيات السياسية والأمنية الى عدم تجاوب الرأي العام في المدينة مع موجة التوتير المذهبي والتحريض ضد الجيش، برغم توافر أجواء وظروف مؤاتية. فالتظاهرة التي نظمت في باب التبانة، مساء السبت الماضي، وما أعقبها من توتر واعتداء على عناصر الجيش، كانت محدودة جداً. والتجاوب مع منظميها كان ضعيفاً، برغم ما بذلوه من تحريض لشدّ الجمهور إليهم ومشاركته في تظاهرة كانوا يرمون إلى إخراجها من المنطقة والتصادم مع الجيش. كما صدرت بيانات تهاجم المسلحين وتتهمهم بتوريط المنطقة في أمر لا ترغبه، وعقد اجتماع في جامع حربا في منطقة باب التبانة مساء أول من أمس حمل مضامين مشابهة.
وبحسب مصادر شاركت في الاجتماع الذي شارك فيه مشايخ وفاعليات من المنطقة، فقد رفض أغلب المشايخ أن «يتحكم 20 شخصاً في مصير المنطقة وأهلها، وأن يمارسوا التشبيح على الناس وإطلاق الرصاص على الجيش»، ودعوا إلى «وضع حد لهم»، ما يشير إلى رفع الغطاء عنهم، وهو تطوّر نوعي لم يكن أحد يجرؤ على التعبير عنه علناً من قبل.
ومع أن بعض الحاضرين طلبوا إزالة حاجز الجيش عند مدخل المنطقة لجهة مستديرة نهر أبو علي، لاحتواء اعتراضات المسلحين عليه، رد آخرون رافضين، لأنه «ليس من المنطق الطلب من الجيش إزالة حواجز له في المنطقة».
وردّ مراقبون هذا التطور إلى أمرين: الأول عدم وجود رغبة في إستقدام نماذج المسلحين الإرهابيين الذين دخلوا عرسال، إلى طرابلس، سواء عند التيارات والقوى السياسية أو لدى المواطنين؛ والثاني حتى لا يتسبب ذلك بإشكالات أمنية داخل المدينة.
لكن ليل أمس، عُقِد اجتماع في المسجد نفسه، حضره عدد من قادة المحاور الفارين من وجه العدالة، وعدد من الشخصيات المؤثرة في المنطقة، بينهم شادي المولوي وأسامة منصور. وطالب الأخيران بتنظيم تحركات شعبية في وجه الجيش في طرابلس، لكن لم يجرِ التوصل إلى إصدار قرار في هذا الصدد.
ومع أن مصادر أمنية لم تبدد قلقها نهائياً لأن المجموعات المسلحة «لن توفر وسيلة لتوتير الأجواء، مثل التعدي على الجيش أو قيامها بتفجيرات معينة»، لفتت الى أن «هذه الفئات من المسلحين والإرهابيين، ومن يواليهم ويؤيدهم، كانوا يراهنون على أمرين لتثبيت مشروعهم على الأرض، أولاً سيطرتهم على منطقة لبنانية معينة تكون قاعدة لتجمّعهم وانطلاقهم، وتكون عصية على الدولة؛ وثانياً حصول انشقاق داخل الجيش والقوى الأمنية، وكلا الأمرين لم يحصل».
وأشارت المصادر إلى أنه «بعد الإجماع السياسي والشعبي الذي حصل عليه الجيش لمحاربة الإرهابيين، ومع اقتراب وصول الدعم العسكري له، من سلاح ومعدات، فإن الجيش سيضبط الوضع على نحو أفضل مستقبلاً، وهو بعد اليوم لن يتهاون مع المخلين بالأمن وقوى التطرف، وسيضربهم بيد من حديد، بعدما باتت هذه المهمة جزءاً من تفاهم إقليمي ودولي».
في غضون ذلك، توقفت مصادر سياسية عند الإرباك الذي ساد أوساط تيار المستقبل في طرابلس تحديداً، إذ إن بعض النواب الزرق والمنسقين كانوا يعطون كل يوم رأياً مختلفاً عن الآخر حول ما يجري في طرابلس وعرسال، وهو أمر ردته المصادر إلى عدم وجود تواصل مباشر ويومي بينهم وبين زعيم التيار الرئيس سعد الحريري، «ما جعل الإرباك والتخبيص سمة مواقفهم».