القاهرة | على رغم أن قرار الحكومة المصرية تقييم أسعار المحروقات، كان يُفترض أن يُتّخذ في كانون الثاني الماضي، غير أن «لجنة التسعير التلقائي للمحروقات» لم تعلنه إلّا بعد منتصف ليل أول من أمس. وبدت الخطوة مفاجئة، ليس لكون الزيادة هي الأعلى منذ تعديل أسعار المحروقات، وإنّما بسبب الطريقة التي جرى بها الإعلان عن القرار الساري منذ صباح يوم أمس. وجاءت المبادرة في وقت استمرّت محاولات امتصاص الغضب الشعبي من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أعلن، خلال تفقّده وافتتاحه عدّة مشروعات في محافظات المنيا في صعيد مصر، عن حزمة إجراءات وزيادات استثنائية في الأجور لموظّفي القطاع الحكومي، اعتباراً من نيسان المقبل، ليبلغ الحدّ الأدنى للأجور 3500 جنيه (114 دولاراً). هذه الحزمة التي تضمّنت رفْع معاشات الأُسر الأكثر فقراً بنسبة تصل إلى 25%، هي الثانية خلال أقلّ من ستة أشهر، إذ تهدف إلى معالجة آثار استمرار تدهور قيمة الجنيه أمام الدولار، وسط تقارير تفيد بأنها ستشهد مزيداً من الانخفاض في الأيام المقبلة، لا سيما في ظلّ تداول الجنيه في السوق السوداء عند معدّل 33 جنيهاً لكل دولار، وهو ما يزيد بأكثر من جنيهَين عن السعر الرسمي.وسعى السيسي لتخفيف آثار صدمة تحريك أسعار المحروقات بالإعلان عن الزيادات الجديدة، وهي إحدى الشروط الجوهرية لـ«صندوق النقد الدولي» للموافقة على قرض بقيمة 3 مليارات دولار. وكان النظام المصري التزم بعدم تحريك سعر السولار، في مقابل تحريك أسعار مختلف أنواع المحروقات بنسب فاقت الـ10% المنصوص عليها في القانون المنظِّم لعمل «لجنة تحديد الأسعار». وجاءت زيادة الأسعار هذه المرّة بعد انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار من أجل تعويض الفارق، في وقت بات هيكل موازنة العام المالي المقبل الذي أعدَّته الحكومة مجرّد أرقام ستتغيّر ليس فقط على خلفية ارتفاع كلفة الديون واستمرار انخفاض سعر الجنيه، ولكن بسبب تعديلات كثيرة سيتمّ إدخالها، لا سيما على شروط الاقتراض والسندات التي سيتمّ طرْح المزيد منها.
ينفّذ النظام المصري أجندة «صندوق النقد الدولي» من دون مواربة


هكذا، تجاهل النظام تعديل الدعم المقدّم عبر السلع التموينية، والذي بات يفقد قيمته يوماً بعد آخر، في ظلّ استمرار إقرار الزيادات في الأسعار على السلع من دون زيادة المبالغ المخصّصة للمواطنين، في خطوة تستهدف القضاء التدريجي على «الدعم» من دون إعلان رسمي. وبدا لافتاً أنه وبخلاف عدم قدرة السلطات على فرْض الزيادات الجديدة في الأجور على القطاع الخاص، فإن ثمّة مشكلات لدى العاملين في القطاع الحكومي وأصحاب المعاشات مرتبطة بوجود زيادات تفوق ما يتقاضونه من رواتب بما فيها أدوية ومستلزمات طبية، وهو الأمر الذي نال من القدرة الشرائية لكثيرين منهم. على أن الحكومة تنفّذ أجندة «صندوق النقد» من دون مواربة، ما يعني أنها ستضطرّ مجدّداً لخفض قيمة الجنيه في الأيام المقبلة، ليصل سعر الدولار الواحد إلى نحو 35 جنيهاً، وهو ما يُتوقّع حدوثه قبل منتصف الشهر المقبل على أقصى تقدير، خصوصاً أن صناديق خليجية تنتظر هذه الخطوة لضخّ مزيد من الأموال والاستثمارات بحسب الاتفاق مع الحكومة على تنفيذ المعاملات الخاصّة بالاستثمار، وفق سعر صرف «عادل». ويبدو أكيداً أن سوء الأوضاع الاقتصادية، زاد من السخط على النظام بشكل واضح، وهو ما دفع السيسي شخصيّاً إلى الحديث عدّة مرّات عن محاولة الدولة حلّ الأزمة التي تواجهها بكافة الطرق، وتأكيده أن الوضع العالمي يفرض ضغوطاً إضافية بينما يحاول هو تخفيف الآثار على المواطنين.
إزاء ذلك، يسعى النظام إلى تحميل جماعة «الإخوان المسلمين» المنحلّة، مسؤولية التحريض على الانتقاد، كما وتحميل الحرب الروسية - الأوكرانية الشقّ الآخر من سوء الوضع الاقتصادي، من دون الإقرار بأن السياسات الخاطئة أَدخلت البلاد في هذا النفق المظلم. وحتى الآن، لا توجد خطّة حكومية معلَنة لمعالجة آثار التضخّم والأزمة الاقتصادية المعقّدة حتى بعد طرح سندات إسلامية في بورصة لندن بفائدة 11% على الدولار، لتكون من أعلى معدّلات الفائدة في العالم؛ فلا السيسي لديه رؤية لمعالجة الأزمة، ولا الحكومة الحالية قادرة على تقديم استراتيجية واضحة للتعامل مع الوضع الراهن، ممّا يزيد الأمور تعقيداً.