«هؤلاء ليسوا بشراً، ولا يفهمون غير لغة القتل والسلب. الوضع الإنساني في عرسال مأسوي»، بحسب ما يؤكد ابن البلدة محمود لـ«الأخبار» عبر الهاتف. الرجل الستيني الذي أصرّ على البقاء مع عائلته في بلدته «لأن المال يعادل الروح»، أكّد أن «لا كهرباء أو ماء أو أفران أو محال تجارية نبتاع منها ربطة خبز أو مواد غذائية. نحاول تيسير أمورنا مع جيراننا إلى حين يفرجها ربك».
لا صوت يعلو في عرسال صوت التهديد والقمع الذي يفرضه المسلحون على الأهالي. يصول هؤلاء ويجولون في شوارع البلدة على دراجات نارية وفي سيارات وشاحنات محملة بالمسلحين والأسلحة المتوسطة. وبحسب ما تؤكد مصادر عرسالية مطلعة لـ«الأخبار»، «نصب مسلحون مضادات ميدانية ورشاشات متوسطة من 23 ملم وأخرى محمولة، بين المنازل وفي الأحياء في محاولة لاستدراج الجيش الى ارتكاب مجزرة بحق المدنيين». وتوضح: «يعمد هؤلاء إلى إطلاق النار من محيط مسجد أبو عبيدة الكبير وسط البلدة ومسجد عثمان بن عفان اللذين يزدحمان بالأهالي والنازحين السوريين، فضلاً عن عمليات القنص من مئذنتي الجامعين».
لدى غالبية أهالي عرسال شعور بالاستياء من المسلحين «اللي ما إلهم دين. ما تركوا رزق إلا وأخدوه. وحتى عم يعدموا كل مين بيرفع صوته مع عائلته» كما ينقل أحد فاعليات البلدة. ويضيف: «فتحنا لهم منازلنا وتحملنا وطأة قرار احتضانهم. هل يكافئوننا باعتماد نسائنا وأطفالنا دروعاً بشرية؟». وأوضح أن عدداً كبيراً من أبناء البلدة تداعوا للبحث في اتخاذ قرار ينتظر أن تتبلور صيغته «في الساعات الـ 24 المقبلة»، ويقضي باعتماد «كل حي من أحياء عرسال الأمن الذاتي لوضع حد لاستباحة المسلحين»، مشدداً على أن «عرسال ما بعمرها نامت على ضيم، وسبق أن قدّمت شهداء في سبيل الوطن، واليوم لن تبخل بأبنائها في الدفاع عن كرامتها المستباحة».
ميدانياً، الهدوء الحذر الذي ساد محور المهنية ــــ رأس السرج طيلة ساعات الصباح وحتى الظهيرة، سرعان ما بددته الاشتباكات العنيفة التي دارت عصراً شرق محور حي المهنية، حيث ثبّت الجيش نقاط تموضع لمدفعيته في أعالي تلة رأس السرج المطلة على أحياء البلدة الداخلية، وسط قصف مدفعي متقطع من مرابض مدفعية الجيش في رأس بعلبك وحربتا. وترددت معلومات عن مقتل المدعو «أبو حسن الحمصي» أحد القادة الميدانيين لتنظيم «داعش»، وهو المسؤول عن تجهيز المتفجرات في القلمون.
وعلمت «الأخبار» أن مسلحي «داعش» شنّوا ليل أول من أمس هجوماً كبيراً على نقطة عقبة الجرد في الجهة الجنوبية الغربية لعرسال، تزامن مع هجوم من الجهة الشمالية في وادي حميد. وقد صدّ الجيش الهجوم ومنع المسلحين من السيطرة على هاتين النقطتين، وأعلن استشهاد كل من النقيب داني خير الله والجندي علي خضارو.
وأشارت مصادر من داخل عرسال إلى أن مسلحي «داعش» و«النصرة» حاولوا قرابة الرابعة فجراً استقدام تعزيزات بشرية من الجرود، عبر طريق بين وادي عين عطا وعقبة الجرد، إلا أن الجيش تمكن بعد اشتباكات عنيفة، امتدت لساعتين، من قتل وجرح عناصر المجموعة، وفرّ من بقي من عناصرها إلى جرود السلسلة الشرقية. فيما أغار الطيران الحربي السوري أول من أمس على رتل من مقاتلي المجموعات المسلحة متوجّه من جرود القلمون الى جرود عرسال.
وكان موكب هيئة العلماء المسلمين، الذي دخل الى عرسال منتصف ليل أول من أمس للتفاوض مع المسلحين وكشف مصير العسكريين المختطفين على أيدي المسلحين، قد تعرض لإطلاق نار عند مدخل البلدة، في محلة رأس السرج، ما أدى الى إصابة الرئيس السابق للهيئة الشيخ سالم الرافعي في قدمه، وكل من الشيخ جلال كلش في رقبته، والشيخ نبيل الحلبي في يده. وكان الوفد قد أنهى لتوّه اجتماعاً «عاصفاً» مع قادة ميدانيين من «جبهة النصرة» و«داعش»، شهد تلاسناً بين الطرفين، بعدما رفض المسلحون شروط الهدنة المطروحة والإفراج عن المخطوفين، الأمر الذي استدعى من المشايخ سؤال المسلحين: «لوين بدكم توصلوا؟»، بحسب ما أوضحت مصادر في عرسال لـ«الأخبار».