كانت لإيران أيضاً حصّتها من الاتّهامات والتهديدات في ما يمكن تسميته «مؤتمر الحرب في ميونيخ»
ما الغاية السياسية من كيْل اتّهامات من هذا القبيل للقيادة الروسية من قِبَل مسؤولين أميركيين؟ إذا وضعنا جانباً الحجج الأخلاقية التي ينبغي أن تثير سخرية كلّ ذي عقل عندما تَرِد على ألسنتهم، لدى تصنيف قادة العدو على أنهم «مجرمون ضدّ الإنسانية يجب أن يساقوا إلى المحاكمة»، فإن أوّل استنتاج يَفرض نفسه هو أن صاحب ذلك التصنيف لا يريد حتى الآن حلّاً تفاوضياً للصراع القائم. لقد اتّضح، خلال الشهرَين الماضيَين، أن روسيا استعادت المبادرة في الميدان، وأنها تعدّ لهجوم مضادّ كبير في نهاية الشتاء بمشاركة ما يقارب 500.000 جندي، فيما بدأت أصوات وازنة، كصوت رئيس هيئة الأركان الأميركية، تطالب بالبحث عن حلّ تفاوضي لنزاع لن يُحسم لمصلحة أوكرانيا. وصدرت، أيضاً، عن مؤسّسة «راند»، الوثيقة الصلة بـ«البنتاغون»، في أواخر الشهر الماضي، دراسة بعنوان «تجنُّب حرب طويلة»، تحذّر من خطورة إطالة أمد هذه الحرب، من منظور المصالح العليا لواشنطن، وتحضّ على بلورة رؤية لتسوية لها. ما تُظهره مواقف هاريس وبلينكن هو أن الاتّجاه السائد في داخل إدارة جو بايدن حتى اللحظة، لم يقتنع بـ«النصائح» المُشار إليها، وأنه يفضّل استطالة الحرب. وقد أشار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى تلك الحقيقة، بطريقة غير مباشرة، في مقابلة أجراها مع «لو فيغارو»، بينما هو عائد على متن طائرته من «مؤتمر ميونيخ»، عندما أعلن أنه يريد «هزيمة روسيا في أوكرانيا، وأنْ تستطيع الأخيرة الدفاع عن موقعها، لكنّني مقتنع بأن هذا الأمر لن يُحسم عسكرياً. لا أظنّ، كما البعض، أن المطلوب هو هزيمة كاملة لروسيا ومهاجمتها على أراضيها. هؤلاء يسعون قبل أيّ اعتبار آخر إلى سحْق روسيا. لكن هذا لم يكن يوماً موقف فرنسا ولن يكون كذلك أبداً». وكان وزير الخارجية الفرنسي الأسبق قد أدلى بدلوه في النقاش الراهن، في مقابلة مع «لو فيغارو» أيضاً، حول المآلات المحتملة للمجابهة في أوكرانيا، حيث حذّر من تصويرها على أنها «صراع حضارات بين الديموقراطيين والمستبدّين، وآملُ ألّا تصبح كذلك بفعل تكرار هذه المقولة، لأنها إنْ أضحت حرب حضارات، فليس من المؤكّد أن الغرب سيكون منتصراً في النهاية».
كانت لإيران أيضاً حصّتها من الاتّهامات والتهديدات في ما يمكن تسميته «مؤتمر الحرب في ميونيخ». وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، قال إنه عند الحديث عن «منْع إيران من الحصول على سلاح نووي، يجب أن نحتفظ بكلّ الأدوات الممكنة، أكرّر: دعونا نضع كلّ الأدوات الممكنة على الطاولة». سبق هذا التصريحَ تكثيفٌ للهجمات الإسرائيلية على أهداف في إيران وخارجها، كقصف الموقع العسكري في أصفهان، والغارات على مواقع أو قوافل في سوريا، والقصف الأخير لحيّ مدني في دمشق، والذي تزامَن مع انعقاد المؤتمر. غابت إيران عن «ميونيخ» بسبب عدم توجيه دعوة رسمية إليها على عكْس السنوات السابقة، فيما تحدّثت تقارير صحافية عن مشاركة معارضين إيرانيين في أعماله كنازلين فنادي ورضا بهلوي، ابن الشاه المخلوع، ومسيح على نجاد. لكن اللافت أيضاً هو ارتفاع حدّة العدائية الأوروبية تجاه هذا البلد، والتي تجلّت في محاولات متكرّرة لإدراج مؤسّسة «الحرس الثوري» على «القائمة الأوروبية للإرهاب»، بدعم من ألمانيا خاصة، والمواقف العنيفة التي أدلت بها وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، في مقابلتها مع «الشرق الأوسط»، حيث أكدت «عزم فرنسا على الوقوف في وجه التهديدات الآتية من إيران». هل يعني ذلك أنّنا أمام نوع من تقسيم العمل بين التحالف الغربي وإسرائيل، تتولّى فيه الأخيرة مهمّة تكثيف الضغوط العسكرية على إيران لحملها على تغيير توجّهاتها حيال الحرب في أوكرانيا وثوابتها في الإقليم؟ المؤكد أن الحصول على تفويض كهذا هو أولوية لنتنياهو. لكن ما يمكن الجزم به أيضاً، استناداً إلى حديث فورد في مقاله المذكور سالفاً، أن واشنطن تعتقد أن خصومها في حالة ضعف، وهو ما يثير لدى السفير الأميركي السابق خشية من ميلها (ومن الممكن أن نضيف مَيل التحالف الغربي كلّه) إلى المبالغة في تقدير قدراتها، على نحوٍ يدفعها إلى تجاوُز خطوط حمر تستثير ردوداً غاضبة.