ما إن سيطر مسلحو المعارضة السورية على عرسال، حتى بدأ العشرات من ابنائها بالنزوح تحسباً لاعتداءات المسلحين، والحصار الذي توقعوه خلال المعارك. حركة النزوح اشتدت امس واول من امس، في اتجاه البقاعين الغربي والاوسط. وبحسب نازحين، فإن العشرات من العراسلة والسوريين ينتظرون فرصة للخروج من البلدة.
لم يجد حسين الحجيري وزوجته وأولادهما الثلاثة سوى الحجز في أحد فنادق البقاع الغربي. يقول: «الحياة في عرسال لم تعد تحتمل، والخطر أكبر مما يتصوره الجميع. لا نعرف كيف يمكن ان نتعامل مع هذه المستجدات». يحاول الرجل ان يحافظ على هدوئه وهو يرسم على وجهه ابتسامة، ليردف: «المشكلة اذا استمر الوضع والاشتباكات، ممكن نبقى بالاوتيل لحد الاسبوع. بس بعد هيك بناكل هوا».
ابن بلدته، أبو وليد، يروي حال عرسال عندما تركها وعائلته الى منزل ابن عمه في برالياس في البقاع الاوسط. يعيد سبب خروجه إلى اقتناعه بأن عرسال تختنق ما إن يقفل الطريق. يقول إن تجربة اقفال الطريق في اللبوة قبل أشهر أوصل الناس يومها الى ما يشبه «المجاعة»، انطلاقاً من عدد النازحين إليها الذي يفوق عدد أبنائها بضعفين. يقول: «هلق بلشت اصوات الناس بنفاد المواد الغذائية». لا ينكر الرجل خوفه من «داعش»، الا أنه يرى أن على الدولة «ألا تقاصص أهالي عرسال والنازحين الذين فيها على أفعال غرباء سقطوا عليها». وقال: «الوضع في عرسال لا يحتمل. اعداد الجرحى المدنيين يتزايد. ما عاد في مطرح بالمستشفيات الميدانية، لازم يصير حل ليرحموا الناس».
لكن مسعد يعيد نزوحه وعائلته الى خلافه الايديولوجي مع «الدواعش»، لكونه من مشرب يساري علماني. يقول: «هدول ما معن مزح، ما بدي اتركلن الفرصة يبلشوا فيني». يستكمل حديثه بانتقاد من دعوا العراسلة للوقوف مع الجيش، يتنهد: «اذا بحكي الطرف التاني بيتهمني انني شيوعي داعشي. عرسال ليست في حاجة الى فحص دم لتثبيت هويتها الوطنية. منذ ما قبل الازمة السورية طالبت فعاليات البلدة بكل اطيافها الحكومة بالاعتراف بأن عرسال بلدة لبنانية. ولكن، للأسف، لم يتذكروها الا في الارهاب. طالبنا بالجيش منذ اليوم الاول، وبتعزيز مراكزه ووحداته العسكرية، وان لا يكون مع فريق ضد فريق بخصوص الازمة السورية، لأن هذا الكيل يزيد من التوتر ويفتح مجالاً اوسع للخطاب المذهبي الفتنوي». اليوم، «نقطف ثمار اخطاء السياسة العوراء، وتهميش الدولة لهذه المنطقة». اما عن الوضع داخل البلدة، فيقول إنه «مأسوي»، متخوفاً من إعدام أشخاص معروفين بتأييدهم للمقاومة.
عمر عز الدين، «رجل لقدام وعشرة لورا». هذا هو حاله في مشواره مع «النزوح القسري» الذي فرضته عليه الاوضاع الامنية التي تطاول بلدته. يقول: «ما بدي اطلع بس الولاد بيكسروا الظهر». تردده وامكانية عودته لوحده بعد تأمين عائلته وأولاده عند نسيبه في بيروت، يأتي من خوفه على منزله من أن يصادره المسلحون واحتلاله لإسكان عائلاتهم فيه بعدما أحرقت خيم النازحين جراء القصف الذي طاولها. وكانت منطقة البقاع الاوسط والغربي قد شهدت وصول عائلات سورية كانت تقطن في عرسال. وساعدها على الخروج حيازتها اوراقاً ثبوتية وتأشيرات دخول عبر الحدود النظامية. أبو محمد الحمصي، النازح من القصير منذ سنتين، قال: «على القصير ممنوع العودة والى الداخل اللبناني غير مسموح لنا لأننا لا نحمل اوراقاً ثبوتية، أين المفر لا نعرف». يصف الوضع بالكارثي، متحدثاً عن تزايد اعداد الجرحى المدنيين من اطفال ونساء جراء قصف المخيمات بالمدفعية، وعن حاجتهم الماسة لنقلهم الى مستشفيات المنطقة للعلاج.