بدلا من أن يستفيق الفلسطينيون على هدنة كان مقررا لها أن تمتد ثلاثة أيام، أصبحوا على مجزرة كبيرة في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، جاءت امتدادا لقصف مطول منذ منتصف الليل حتى بداية الثامنة صباحا (موعد الهدنة المفترض)، ما أدى إلى نحو 15 شهيدا قبل مجزرة رفح التي أدت وحدها إلى نحو 62 شهيدا و350 جريحا.
حتى الساعة التي حصل عليها الفلسطينيون في (8-9 ص) قبل بدء القصف المكثف في رفح، لم تكن كافية إلا ليطلعوا على حجم المأساة في بلدة خزاعة (خانيونس، جنوب) التي ارتكبت فيها مجزرة كبيرة منذ أسبوعين، واستطاع المسعفون انتشال 25 جثة في تلك المدة، وتلت ذلك عودة الجيش الإسرائيلي إلى استكمال عدوانه في مناطق القطاع، ما أدى إلى عشرات آخرين من الشهداء والإصابات.
في وقت متأخر مساء أمس، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن حصيلة العدوان خلال اليوم السادس والعشرين بلغت 1600 شهيد وأكثر من 8750 جريحا، مشيرة إلى أن العدد مرشح للزيادة جراء الإصابات البالغة الخطورة والموت السريري والانتشال الممكن من المناطق المتفرقة.

حصيلة العدوان خلال اليوم السادس والعشرين بلغت 1600 شهيد وأكثر من 8750 جريحا

لكن ماذا جرى وقلب موازين الهدنة وأعاد الحرب على أشدها؟ في الرواية الفلسطينية قالت المقاومة إن الاحتلال استغل الساعات الأخيرة ما قبل الهدنة ليكثف قصفه كما فعل في مرات سابقة، لكنه تقدم بقواته البرية في رفح لمسافة 2.5 كم، علما أنه لم يكن موجودا في أقصى حد إلا كيلومترا واحد في هذه المدينة. أمام هذا التقدم الإسرائيلي، أعلنت كتائب القسام (حركة «حماس) أن عناصرها اشتبكوا في تمام السابعة صباحاً مع القوات المتوغلة، وأوقعوا في صفوفها عدداً كبيراً من القتلى والجرحى، مؤكدة أن العدو باشر القصف العشوائي على المنطقة الشرقية لرفح «في خرق فاضحٍ للتهدئة المعلنة، واستخفاف بالجهود الإقليمية والدولية التي أفضت إلى هذا الاتفاق».
هذا كله دفع المقاومة إلى اعتبار ما جرى «تنصلا من وقف إطلاق النار»، مشددة على أنه «على مدى الأيام العشرين الماضية لم يكن هناك وجود لأي جنديٍ إسرائيلي في المنطقة الشرقية لرفح». وأضافت في الوقت نفسه أن «أي قوات تنتهك أرضنا ستكون عرضةً لنيران مجاهدينا وهدفاً مشروعاً لنا».
وسبق هذا التوغل والرد عليه، «تسلل مجموعة من «القسام» في تمام السادسة والنصف صباحا خلف القوات المتوغلة في منطقة أبو الروس شرق رفح، واستهداف منزل تحصنت فيه بقذيفة تاندم»، وإثر ذلك قصفت قوات الاحتلال محيط المكان قبل أن تسحب آلياتها منه. في سياق متصل، أعلنت الكتائب أنه بعد «عودة المجاهدين من خطوط المواجهة شرق القرارة، أكد مجاهدوها قتلهم خمسة جنود في اشتباكين منفصلين يوم 19 و24 تموز، واغتنام قطعة سلاح M16».
وفي ظل الاشتباكات المتواصلة أكدت مواقع المقاومة إحصاءها منذ بداية الحرب البرية قتل 131 ضابطًا وجنديًا إسرائيليا خلال الاشتباكات المباشرة «عدا ما يتكتم عليه العدو في تفجير الآليات». أما عن المصابين، فنقلت أيضا إحصائية تشير إلى وصول 186 جندياً حتى صباح أمس إلى المستشفيات الإسرائيلية، ثم أعلنت عن ثلاثين إصابة أخرى مساء. كذلك عاد قصف المقاومة على المدن المحتلة بعد مجزرة رفح مباشرة بعشرات الصواريخ، التي شملت مدن تل أبيب وعسقلان وأسدود، إضافة إلى مواقع عسكرية أخرى في غلاف غزة.
بشأن الرواية الإسرائيلية، وبعد صمت استمر ساعات، تخلله إرباك واضح لوسائل الإعلام العبرية حيال تغطية «حادث كبير في رفح»، أعلن المتحدث باسم جيش العدو «الخشية من خطف ضابط»، ومقتل اثنين من رفقائه خلال نشاط ميداني للبحث عن الأنفاق إلى الشرق من مدينة رفح. وفي بيان لاحق لجيش الاحتلال، أعلن أن الضابط «تعرض للخطف على أيدي مخربين بعد تبادل لإطلاق النار معهم، وهو الملازم ثاني هدار غولدين ويعمل ضابطا في كتيبة الاستطلاع التابعة للواء النخبة غفعاتي، ومن مدينة كفار سابا (وسط فلسطين المحتلة)».
تفاصيل الأسر، كما روت إسرائيل، جرى التجاذب حولها ابتداءً بين عدة روايات، إلى أن استقرت على رواية فصلها مراسل القناة العاشرة نقلا عن مصادر عسكرية. وقالت إنه «في الساعة 9:30 صباحا كانت قوة من لواء غفعاتي تعمل بحثا عن أنفاق، وحالما وصلت قرب أحد المباني، خرج من فتحة أحد الانفاق مخرب فلسطيني عمد إلى تفجير نفسه بالقوة، فقتل رائدا ورقيبا أول وجرح آخرين، ثم خرج اثنان من النفق نفسه، وبدأ أحدهما إطلاق النار على الجنود في المكان، وإلقاء القنابل اليدوية، فيما قبض الثاني على الضابط غولدين، ونجح في سحبه إلى داخل النفق، ثم اختفى الثلاثة».
وأشار مراسل القناة إلى أن عددا من الجنود حاولوا التوجه إلى فتحة النفق لإنقاذ الضابط، «لكن الأوامر صدرت بالامتناع عن ذلك، خشية أن تكون قوة كبيرة من الفلسطينيين بانتظارهم، وبدلا من ذلك استدعيت قوة من الجيش للتعامل مع الأبنية المحيطة لهدمها».
في أعقاب الأسر، بادر الجيش الإسرائيلي إلى تفعيل «تدبير هنيبعل»، الذي يرمي إلى عزل المنطقة التي نفذت فيها العملية، فقصف طرقها وممراتها لمنع القوة الآسرة من الخروج من المنطقة. وتضيف القناة أن المدفعية الثقيلة، إضافة إلى طائرات الجو، صبت نيرانها على المنطقة بأسرها.
مع ذلك، يضيف المراسل، أنه لم ينجح «تدبير هنيبعل»، بل «يمكن القول إنه بعد ساعات من العملية، نجح الآسرون في نقل الضابط إلى مكان آخر»، لافتا إلى أن العمل الآن بذل الجهود لجمع أدلة أو مؤشرات تدل على حالته إن كان جريحا أو ميتا أو حيا.
من جهتها، أشارت القناة السابعة العبرية إلى أن الضابط الأسير هو من أتباع التيار الصهيوني الديني، المعروف بتطرفه حيال الفلسطينيين، وهو خريج إحدى المدارس الدينية في مدينة رعنانا، وكان قد أنهى قبل عام واحد دورة ضباط مكنته من الالتحاق بلواء النخبة، كما يحمل جنسية بريطانية، وقيل إنه من أقرباء وزير الجيش موشيه يعلون.
(الأخبار)