إصدار مجلس الوزراء مشروع مرسوم إبرام «الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوقين» خلال الظروف الساخنة التي تمرّ بها البلاد، ولا سيما السياسية، سيف ذو حدّين. حدّ يشير إلى «حسن نوايا الدولة تجاه ملف الأشخاص المعوقين»، ويسعد جمعيات ذوي الإعاقة ويطمئنهم كونها، أي الدولة، «لا تضع العصي في الدواليب». وحدّ يقلقهم، ويتعلق بالطريق «الوعرة سياسياً» التي سيسلكها تطبيق الاتفاقية، خاصة بعدما أكّدت لهم التجربة أن الخلافات السياسية وتقاعس الجهات الرسمية كانا كفيليْن بالمماطلة 15 سنة قبل المصادقة على الاتفاقية.بعد إيقاظ «الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوقين» من سبات يعود إلى عام 2007، تاريخ موافقة لبنان عليها، لم يكن ينقص خطوة المجلس النيابي المتمثلة بالمصادقة عليها في 12 نيسان عام 2022، ثم إعطاء الموافقة الاستثنائية على مشروع المرسوم الخاص بها وإبرامها في الثامن من شهر أيلول الماضي، إلا التئام مجلس الوزراء لإصدار المرسوم الخاص بها لتدخل حيّز التنفيذ، ويبدأ الجدّ. حصلت «الخطوة الكبيرة»، كما يصفها الناشط في مجال الإعاقة إبراهيم عبدالله، مع إصدار مجلس الوزراء خلال جلسته الأخيرة الإثنين الماضي، بموجب القرار (الرقم 42)، مشروع مرسوم إبرام الاتفاقية والبروتوكول الاختياري العائد لها، ووقّع عليه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وكالةً عن رئيس الجمهورية بعدما تنازل الوزراء عن الحق في طلب إعادة النظر فيه.

«هل أصبحنا ضرورة»؟
لم يعتد الأشخاص المعوقون أن يكونوا في سلّم أولويات الحكومة، ما دفع أحدهم إلى التعليق على القرار الأخير الذي جاء في «تشريع الضرورة» بسخرية: «هل أصبحنا ضرورة»؟ وعبّرت رئيسة الاتحاد الوطني للأشخاص المعوقين حركياً سيلفانا اللقيس عن تقديرها للقرار، خاصة أنه شمل البروتوكول الاختياري الذي يسمح لجمعيات المجتمع المدني، وأيّ شخص مهتم في مجال الإعاقة بتقديم تقرير إلى الأمم المتحدة كلّ أربع سنوات، إلى جانب التقرير الرسمي، ويكون بمثابة العين الساهرة على أداء الحكومة ومدى تطبيقها الاتفاقية. «أنا سعيدة جداً وأشعر أنني أريد أن أسبق الزمن عندما يتعلق الأمر بحياة الناس وشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة»، كما أعربت اللقيس في حديث مع «الأخبار». من جهتها، شكرت جمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان، في بيان لها الأحد الماضي، مجلس الوزراء على خطوته التي «وضعتنا أمام مفترق طرق قد يحقق بعض الكرامة الإنسانية لفئة الأشخاص ذوي الإعاقة، رغم كلّ الأزمات التي تمر بها البلاد».

هواجس من النكايات السياسية
لا بد من التوضيح أولاً أن ما صدر هو مشروع مرسوم إبرام الاتفاقية، وليس المرسوم عينه، الذي يجب إدراجه في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ. وقراءة سريعة في «النكايات السياسية» قد تثير، وتثير فعلاً، الهواجس من «إدخالها في دوامة ميقاتي وباسيل، وتحجّج الأخير أن القرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء غير شرعية وبالتالي عدم تمريرها، خاصة أن الأول وقّع نيابة عن رئيس الجمهورية»، بحسب عبدالله. فهل يبطل القرار أو يعرقل بعد كل ذلك التأخير؟ ومن يتحمل مسؤولية ذلك، علماً أن الموضوع حساس وسيحرجه أمام الرأي العام المنادي بحقوق الأشخاص المعوقين والمجتمع الدولي الذي ينتظر إبلاغ لبنان الأمم المتحدة أنه صادق على الاتفاقية؟
ظهرت هذه المخاوف منذ إشاعة خبر إعداد مشروع المرسوم. «خفت من الوقوع في دوامة: من سيوقّع بغياب رئيس الجمهورية، وتستمرّ هذه المخاوف بعد التوقيع نظراً إلى عدم الثقة بالجهات الرسمية كلما استذكرنا أن تعطل العلاقة بين المجلسين النيابي والوزاري والظروف السياسية نوّمت الاتفاقية 15 عاماً»، تقول اللقيس، منبّهة المعنيين إلى «أننا نلاحقهم لإصدار المرسوم، فليس هناك مبرّر للمماطلة في إصداره أكثر من أسبوعين». وتلفت النظر إلى سوء التصرّف وتباين المواقف بعد المصادقة على الاتفاقية، اللذيْن «ضيّعانا أكثر، ومع أن ذلك أمرٌ مضى لكنّ النهج الذي سلكوه يخيفنا من المستقبل». تشرح «بعد المصادقة، كان على وزير الخارجية عبدالله بو حبيب إبلاغ الأمم المتحدة أن لبنان التحق بها. لكنّ الأخير ادعى بأنه لا يستطيع فعل ذلك قبل اجتماع مجلس الوزراء وإصدار مرسوم وزاري بهذا الشأن، علماً أن رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية ميشال موسى أكّد لنا عدم صحة كلامه».

الخطوات المقبلة
تشدّد الجمعيات التي تُعنى بشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة على «أننا تأخرنا بما فيه الكفاية». لذلك ترسم بحماسة مخطط تنفيذ الاتفاقية، وتحمّل الوزارات المعنية «مسؤولية إعداد الموازنات التي تضمن تطبيق الاتفاقية، بما يضمن مشاركة المجتمع اللبناني بأكمله في إدماج فئة الأشخاص ذوي الإعاقة، على صُعد التوعية، والخدمات التي تحترم التنوع، والتنمية المتوازنة، والحقوق». كما تؤكد على ضرورة «إشراك أصحاب العلاقة الممثّلين في جمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة المطلبية والحقوقية، سواء في اقتراح مشاريع القوانين أو في منحها دوراً مهماً في الإشراف على تنفيذ المهمات».
تعمل لجنة حقوق الإنسان النيابية على تعديل قانون حقوق الأشخاص المعوقين


تبدأ الخطة بـ«تشكيل هيئة تكون مرجعية لهذه الاتفاقية، وتتألف من جمعيات ذوي الإعاقة وجهات رسمية، طبعاً سلطة أعلى من وزارة الشؤون الاجتماعية لتكون لها كلمة على الوزارات الأخرى، وتتمتّع بالاستقلالية. ونحن كجمعيات منذ فترة بدأنا مناقشات تصوّر لهذه الهيئة»، بحسب اللقيس، التي تضيف: «يجب أن تكون هناك أيضاً لجنة نيابية من أجل التشريع إلى جانب الهيئة، لمراجعة القوانين الحالية، وتعديلها بما يتناسب مع الاتفاقية الدولية».
وفي هذا الصدد، يشير عبدالله إلى أن لجنة حقوق الإنسان النيابية بدأت العمل على تعديل قانون الأشخاص المعوقين على خلفية هذه الاتفاقية، ويرى أن «البدء من هنا أمر مهم وصحيح. فهناك أولويات، مثل التعليم (استحداث نظام تربوي دامج)، والصحة، والعمل… قبل التفكير في تعديل قانون البناء من أجل إلزام أصحاب المؤسسات بمراعاة قدرة الجميع على الوصول والتأكد من سهولة التنقل من دون عوائق قبل البناء، وغيرها من مشاريع القوانين التي تحفظ الحقوق التي ترعاها الاتفاقية».

إشكالية المادة 12
لا شك أن طريق تطبيق الاتفاقية طويل، والناشطون في مجال الإعاقة يخطون أولى خطواتهم في مشوار الألف ميل. هم يدركون العراقيل الكثيرة التي ستعترضهم، و«أصعبها»، وفق عبدالله، المادة 12 من الاتفاقية التي تنصّ على منح الأشخاص المعوقين ذهنياً الأهلية القانونية، ما يشكّل إشكالية حتى داخل الأوساط الحقوقية المعنية بالأشخاص المعوقين غير الجاهزة فعلياً لمناقشة هذا الموضوع. فأيّ رجل دين أو قاضٍ سيقبل بها؟
صحيح أن لبنان عندما صادق على الاتفاقية لم يتحفّظ على المادة 12 منها، كما فعلت الصين مثلاً، «لكننا لا نقرأ»، هكذا يفسّر عبدالله التغاضي عنها، متخوّفاً من «التباينات التي ستظهر عند التطبيق، خاصة إذا احتاج الأمر إلى تعديل دستوري قد يفتح الطريق أمام تعديلات أخرى». في الوقت ذاته، يتخوّف من رفض النقاش بالمطلق في هذه المادة وإغفال النقاط المهمة الأخرى التي تحملها، مثل «الفقرة الخامسة منها التي تنص على حق الأشخاص المكفوفين في ممارسة النشاط المالي بحرية، من دون الإتيان بشهود اثنين عند السحوبات المصرفية للتأكد من عدم استغلالهم، كما جرت العادة، في حين هناك آليات أكثر احتراماً لكراماتهم».