«أقولها وبقلب قوي، وهذه المرّة الأولى، أنا مع الإضراب وضد العودة حتى لو كلّف الأمر إنهاءً للعام الدراسي، فالدولة هي المسؤولة لا الأساتذة»، تقول أستاذة لزملائها خلال جمعية عمومية أمس في إحدى ثانويات منطقة الضاحية، وتسجّل رفضها «لكلّ محاولات المقارنة بين تلامذة الرّسمي والخاص، فالجهة الأخيرة تحصّل من الأهالي مبالغ مالية كبيرة تُستخدم لدفع أجور الأساتذة وتشغيل المدرسة، أمّا الرّسمي فيعتمد على الدولة وموازنتها فقط، ولسنا مسؤولين عن رضا هؤلاء الأساتذة أو عدمه من تقديمات مدارسهم، فنحن وصلنا إلى مدارسنا لعقد الجمعيات ببال مشغول كيف سندفع أجرة الطريق».
استعادة الثقة
وعلى الرغم من الكلفة، عُقدت الجمعيات العمومية حضورياً أمس، في الثانويات ودور المعلّمين ومراكز الإرشاد في لبنان، تلبية لدعوة الهيئة الإدارية لرابطة الثانوي، بتوصية واحدة، «التصويت على استمرار الإضراب حتى نهاية الأسبوع الجاري». النتائج لم تصدر بعد، وقد تتأخر إلى ظهر اليوم لإصرار بعض أعضاء الرابطة على «إجراء التصويت حضورياً، لا إلكترونياً، من دون أن يعني ذلك عدم قانونية الخيار الأخير». لكن وبحسب حيدر إسماعيل نائب رئيس رابطة الثانوي، فـ«المطلوب استعادة ثقة الأساتذة، وزيادة الطمأنينة لديهم بأنّ الهيئة الإدارية تقف إلى جانبهم، حتى لو بذلنا جهداً إضافياً»، مؤكّداً «استعداده لمشاركة أيّ أستاذ في عدّ الأصوات خلال عملية الفرز، حفاظاً على الشفافية»، مشيراً إلى «استمرار الإضراب وفقاً للنتائج الأولية». ويذكر إسماعيل وجود «نقاشات مع الروابط لتحديد موعد للقيام باعتصام حاشد يشارك فيه، إلى جانب الأساتذة، أهالي التلامذة في المدارس الرّسمية».

نحو التصعيد
يوحي المزاج العام للأساتذة بـ«تصعيد التحرّكات، وعدم العودة إلى المدارس»، وهذا ما يبدو واضحاً في محاضر تصويت بعض الثانويات المنشورة على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، التي يقوم الأساتذة بتوزيعها «منعاً لتكرار تزوير النتائج الذي جرى مطلع العام» وفق عدد منهم، التي تظهر «شبه إجماع على استمرار الإضراب، بنسبة تفوق الـ95%». ولولا «انسداد أفق الإضراب» بالنسبة إلى بعضهم، لكانت النسبة وصلت إلى 100%، فبعض الذين صوّتوا بـ«مع العودة»، يشكون «تعبهم من احترافهم لمهنة التعليم التي تجعلهم العنصر الأضعف في المجتمع، مع وزير تربية مختصّ بالبيانات الإعلامية، لا تهدف إلّا لإحراجهم أمام الرأي العام، وضغط طلابهم عليهم».
لولا انسداد أفق الإضراب برأي البعض لكانت نسبة الموافقين على التمديد 100%


الأغلبية السّاحقة من الأساتذة، ومنهم معارضو الإضرابات الذين يرون فيها «طريقاً مسدودةً»، تجد في العودة إلى التعليم بـ«صفر إنجازات» انتحاراً، وتفضّل «إنهاء العام الدراسي على الانكسار، الذي سيؤدي إلى كتابة الفصل الأخير من التعليم الرّسمي في لبنان، سيّما أنّ المطلوب هو الوصول إلى عام دراسي طبيعي دون إضرابات». الهدف المنشود يمكن تحقيقه بحسب إسماعيل، الذي يتأمّل من «نافذة المفاوضات مع وزارة التربية خلال الأسبوع الجاري» الوصول إلى نتيجة ترضي الأساتذة، عبر «تثبيت سعر واحد على منصة صيرفة للأساتذة، بدل نقل يساوي 5 ليترات يومياً، شمول الأساتذة ببدلات الإنتاجية المقرّة في مجلس الوزراء لموظفي القطاع العام، الحوافز، وزيادة بدلات الاستشفاء الغائبة عن أذهان المسؤولين».

وزير غير جدّي
في المقابل، لا يأمل المطّلعون على مسار النقاشات في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة أيّ خير، فـ«وزير التربية لم يكن جدّياً خلالها عند طرح المطالب على الطاولة، عكس ما يوحي للأساتذة خلال لقاءاته معهم، وكأنّ هناك اتفاقاً بينه وبين رئيس الحكومة». كما يشيرون إلى «رفض حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أيّ بحث في تثبيت سعر خاص على منصة صيرفة للأساتذة أو لموظفي القطاع العام، بالإضافة إلى عدم قبوله تحويل بدلات الإنتاجية إلى العملة الأجنبية من الأصل»، ويحذّرون الأساتذة من «التسليم بمقرّرات الحكومة، التي لن تتحوّل أموالاً في حساباتهم قبل مدّة ليست بقصيرة، مستشهدين على ذلك بما جرى العام الماضي عندما أُقرّ بدل النقل بداية عام 2022، على دولار يساوي 20 ألفاً، ولم يُقبض حتى نهايته، على سعر صرف مضاعف، ما أفقدهم قيمتهم».

ترحيب وتشاؤم
أمّا حال النقابيين من الأساتذة في التعليم الثانوي فيُختصر بالترحيب والتشاؤم. «الدعوة والعودة والاحتكام إلى الجمعيات العمومية أمور أساسيّة لاستقامة أيّ عمل نقابي»، مع الإشارة إلى «ضعف توصية الإضراب لأسبوع واحد، إذ يفترض أن تكون أقوى، وتنصّ على عدم العودة حتى تحقيق المطالب، التي لا تمثل أكثر من ربع حقوق الأساتذة». وعند سؤالهم عن توقعاتهم لسيرورة العام الدراسي والتحرّكات النقابية، يظهر التشاؤم، إذ يتوقعون «محاولة أخيرة من وزير التربية لتأليب الأهالي على الأساتذة، والضغط على الروابط لإرجاع الأساتذة كيفما كان، وفي حال رضخ الأساسي والمهني سيسقط الثانوي حكماً»، ويدعون إلى «حلّ هيئة التنسيق النقابية، الخاصرة الرخوة، التي أنشأتها الأحزاب للسّيطرة على التعليم الثانوي». وفي حال صمود ومقاومة الأساتذة للضغوط «يُنهى العام الدراسي، الذي صار من الصعب أن يستمر، سواء في الرّسمي الذي يصرخ بصوت عالٍ، أو الخاص الذي يئنّ أساتذته بصمت».