«شيماء الشيخ علي»، ولدت من رحم الموت. هي قصة أقرب إلى الخيال، لكن الحرب في غزة جعلتها حقيقة، بعد أن استشهدت الأم في استهداف منزلها في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة بقصف من الطائرات الحربية الإسرائيلية، ما أودى بحياتها مع عدد من أقربائها في البيت نفسه. وصلت شيماء قنن (الأم، 23 عاماً) جثة هامدة إلى المستشفى، لكن أحد الأطباء انتبه إلى حركة في جسدها، فقرر إثر ذلك شق البطن باستخدام مشرط طبي، ليخرج برفقة خمسة أطباء جنينها الطفلة حية، تاركاً ندبة تسبب بها المشرط سهواً تحت عينها.
يبدو أنه كلما سيرى أحد هذه الندبة ستتلو عليه الطفلة قصة خروجها من رحم أمها الشهيدة. هكذا ستبقى شيماء شاهدة على المجازر الإسرائيلية طوال حياتها، خاصة المجزرة التي ارتكبها الاحتلال مع بزوغ فجر «ليلة القدر»، حين قصف الطائرات منزل والدها «إبراهيم الشيخ علي» على من فيه، من دون أن تطلق صاروخاً تحذيرياً على الأقل، فهدم البيت فوق رؤوس قاطنيه.
أمها كانت حاملاً بالطفلة التي سمّيت على اسمها نفسه، في الشهر التاسع، وكانت تنتظر بصبر نافد رؤية مولودتها البكر بعد زواجها الذي استمر عاماً وشهرين فقط. تقول إحدى قريباتها، وهي أيضا صديقتها المقربة لها، وتدعى أم محمد: «كانت كلما رأيتها تسألني عن إحساس الأمومة، وتريد لابنتها حياة أفضل من التي عاشتها، وتتمنى دوماً أن تكون على قدر المسؤولية في حماية طفلتها». انقطعت عن الحديث بعد أن منعتها دموعها، لكنها استكملت لـ«الأخبار»: «اليوم هي شهيدة، لكنها حمت ابنتها ومنحتها الحياة في الوقت الذي حرمت فيه هي إياها...

اختار الأهل
تسمية الطفلة شيماء تيمّناً باسم والدتها الشهيدة
للأسف لن تقبّلها قبلة الحياة الأولى كما تمنّت».
فادي الخرطي هو الطبيب الذي أشرف على استخراج الطفلة من الشهيدة، يقول لـ«الأخبار»: «هذه الحالة معجزة بكل معنى الكلمة. فالأم وصلت شهيدة، لكن طفلتها التي في أحشائها أخبرتنا بحياتها من خلال تنفسها وحركات تظهر جلياً على بطن الأم خاصة في الأشهر الأخيرة، لذلك عملنا بسرعة فائقة لم تتعدّ 30 ثانية وأخرجنا الطفلة من بطن أمها كي لا تختنق».
كان صوتاً ممزوجاً بالفرحة والحزن في آن واحد داخل غرفة العمليات، فقد دهش الأطباء والممرضون من ولادة طفلة حية من أم شهيدة، كما يقول الخرطي. يضيف: «لعل ما أثار الدهشة أننا تمكنا من إنقاذ الطفلة بسرعة، لأن الجنين لا يحتمل أن يبقى داخل جسد ميت أكثر من خمس دقائق، وفق التشخيص الطبي».
ووصفت مصادر طبية حالة الطفلة بالمستقرة، رغم أنها كانت تعاني نقصاً في الأوكسجين، مقدرة ظهور أعراض أخرى، لكن الطبيب الخرطي يأمل ألا يحدث ذلك. يمكن الإشارة في السياق إلى قصة ألم أخرى جرت عندما اختلطت الأمور على أحد أولياء شهيدة أخرى بسبب التشوهات والأشلاء، فدفنوها خطأً على أنها ابنتهم، ما حرمهم نظرة الوداع، لكن أخاها الأصغر رفض الاستسلام، واستدل إلى قبر أخته وراح ينبشه، فوجدها مضرجة بدمائها، وكل ما استطاعه هو وداعها بنظرة سريعة قبل أن يعيد دفنها من جديد.