تمضي روسيا قُدُماً في تغيير استراتيجيتها العسكرية بناءً على التغييرات الدولية وتعاظُم التهديدات التي تُواجهها، في ظلّ تزايُد حدّة المواجهة بينها وبين «حلف شمال الأطلسي». وتقوم الخطّة الروسية الجديدة على تعزيز قدرات الجيش الروسي وعديده، بعدما أظهرت الأشهر الماضية من الحرب وجود قصور لديه على مستويات عدّة، استدعى من القيادة إعادة النظر في الوضع القائم. وفي هذا الإطار، جاء قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في شهر آب الماضي، زيادة عدد أفراد القوات المسلّحة بمقدار 137 ألف جندي ليكون العدد الإجمالي 1150628 فرداً. وتنفيذاً لذلك القرار، أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أمس، إجراء تغييرات واسعة النطاق على مستوى الجيش، في الفترة من عام 2023 حتى عام 2026. وكشف شويغو، عقب اجتماع للإدارة العسكرية، أن تعداد القوّات المسلّحة الروسية سوف يرتفع إلى 1.5 مليون فرد. كما كشف عن تغيير التقسيم العسكري الإداري لروسيا، آمراً بإنشاء تشكيلَين إقليميَّين استراتيجيَّين جديدَين للقوّات المسلّحة في مقاطعتَي موسكو ولينينغراد العسكريتَين، بالإضافة إلى مجموعات من القوّات في الأراضي الأوكرانية التي ضمّتها روسيا في دونباس وخيرسون وزابوروجيا. وشدّد الوزير الروسي على ضرورة «دمْج جميع هذه الإجراءات لزيادة حجم القوّات المسلحة في خطّة شاملة، متزامنة مع إنشاء البنية التحتية لنشر القوّات وتوريد الأسلحة والمعدّات العسكرية»، لافتاً أيضاً إلى أهمّية «تعزيز العنصر القتالي للقوّات البحرية والقوّات الجوّية وقوّات الصواريخ الاستراتيجية». وأكد أنه «لا سبيل لضمان الأمن العسكري للدولة وحماية الكيانات الجديدة والمنشآت الحيوية في الاتّحاد الروسي، إلّا من خلال تعزيز المكوّنات الهيكلية الرئيسة للقوّات المسلّحة». وفي السياق نفسه، أوضح المتحدّث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن سبب زيادة عديد الجيش الروسي يكمن في «تصرّفات الغرب، وضرورة ضمان أمن البلاد من دون قيد أو شرط». وقال بيسكوف، في تصريحات إلى الصحافيين، إن السبب في ذلك «يرتبط بتلك الحرب التي تشنّها دول الغرب الجماعي ضدّنا، بالحرب بالوكالة التي تتضمّن في ذاتها عناصر المشاركة غير المباشرة في العمليات القتالية، وعناصر الحرب الاقتصادية والحرب المالية والحرب القانونية، والخروج عن أيّ أطر ومجالات قانونية مشروعة».
أرجع الكرملين زيادة عديد الجيش الروسي إلى ضرورة ضمان أمن البلاد

أمّا على صعيد العمليات العسكرية، فقد أعلن القائم بأعمال رئيس «جمهوية دونيتسك الشعبية» المعلَنة من جانب واحد، دينيس بوشيلين، أن محطّة السكك الحديدية «سول» في مدينة سوليدار، «أصبحت تحت السيطرة الكاملة للجيش الروسي»، مضيفاً أن «القوّات الروسية تمكّنت من قطْع اتّصالات وإمدادات القوات الأوكرانية بين مدينتَي سيفرسك وأرتيوموفسك (باخموت)». كما أعلن أن «الجيش الروسي أصبح قريباً من بسْط سيطرته الكاملة على بلدة ماريينكا في ضواحي دونيتسك، بعد تحقيقه نجاحات في المعارك الدائرة فيها». ويأتي ذلك في وقت تتواصل فيه المناورات الجوّية التكتيكية بين القوّات الروسية والبيلاروسية في بيلاروس. وذكرت وزارة الدفاع البيلاروسية، في هذا الإطار، أن التدريبات «ستتيح إمكانية تنفيذ مجموعة واسعة من المهام: إجراء استطلاع جوّي، ودوريات مشتركة في المجال الجوّي، ودعم جوّي للقوّات البرّية وهبوط للقوّات التكتيكية، وتسليم للبضائع وإجلاء للجرحى». وأوضحت الإدارة العسكرية البيلاروسية، بدورها، أن الهدف الرئيس من التدريبات، التي ستستمرّ حتى الأوّل من شباط، «هو زيادة قابلية التشغيل البيني لوحدات الطيران البيلاروسية والروسية في تنفيذ المهام». وبحسب الخبير العسكري، أليكسي ليونكوف، فإنه خلال المناورات، «سيتمّ تنسيق إجراءات القوّات الجوّية الروسية والقوّات الجوّية البيلاروسية». وأشار ليونكوف، في تصريح إلى صحيفة «إزفيستيا»، إلى أن «الطيران العسكري لدولة الاتحاد يعمل سويّاً خلال التدريبات، وهذا يشير إلى أن المجموعة لديها قيادة موحّدة، وهو أمر مهمّ في حال وجود تهديدات».
على المستوى الاقتصادي، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن اقتصاد روسيا انكمش 2.5% على الأرجح في عام 2022، لكنّ أداءه كان أفضل ممّا توقّعه معظم الخبراء الذين انتظروا أن تكون النسبة عند 20%. وأضاف بوتين، في كلمة خلال اجتماع حكومي بحضور رئيسة البنك المركزي، أن التضخّم بلغ 11.8% في عام 2022، وهو أقلّ من المتوقّع أيضاً، لافتاً إلى أن التوقّعات تشير إلى انخفاض التضخّم في الربع الأول من عام 2023 إلى 5%، وإلى مستوى دون 4% في الربع الثاني. وأشار إلى أن النتائج الفعلية للاقتصاد الروسي في عام 2022 جاءت أفضل من العديد من التوقّعات، مبيّناً أن عجز الميزانية الروسية بلغ في عام 2022، 3.3 تريليونات روبل، أو 2.3% من الناتج المحلّي الإجمالي، وهو عند مستوى مقبول.
كذلك، جدّد القول إن العقوبات المفروضة على روسيا ساهمت في رفْع أسعار الوقود عالمياً، ووجّهت ضربة خطيرة ضدّ الاقتصاد العالمي بأكمله، متابعاً أن هذه العقوبات أدّت إلى ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود والمواد الغذائية في أوروبا والولايات المتحدة. وأكد أن روسيا رفعت إنتاج النفط في عام 2022، على رغم العقوبات، بنحو 2%، ليصل إلى 535 مليون طن.
(الأخبار)