صحيح أن اللبنانيين ينتظرون من الحكومة خطوة عملية لمعالجة ملف الكهرباء كما غيره من الملفات. إلا أن الترقب يسود الأوساط السياسية بسبب انعكاس عمل الحكومة على العلاقة بين أبرز قوتين في البلاد، حزب الله والتيار الوطني الحر.حتى اللحظة لم يقَع الطلاق بين الحزب والتيار، لكن العودة الطوعية إلى التفاهم لم تتقرر بعد. والظاهر للعيان نقص الحماسة عند الطرفين للقيام بخطوة كبيرة على قدر الخلاف القائم بينهما. وتدل الوقائع السياسية على أن تصحيح الخلل يحتاج إلى حوار شامل يتجاوز لقاءات تأخذ طابعاً بروتوكولياً بين قياديين من الفريقين. خصوصاً أن التواصل نفسه لا يزال مقطوعاً. ولم يعقد حتى الآن الاجتماع الذي جرى الحديث عنه بين النائب جبران باسيل ومندوب حزب الله وفيق صفا، علماً أنه كان مقرراً الأسبوع الماضي. وقالت مصادر مطلعة إن «اللقاء سيتأكد بعد جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد هذا الأسبوع، بانتظار موقف التيار الوطني الحر من مشاركة وزراء حزب الله في الجلسة وسير الأمور».

(هيثم الموسوي)

وقالت المصادر إن التيار الوطني لا يزال عند موقفه بعدم الموافقة على جلسات حكومية يتم فيها تجاوز صلاحيات رئاسة الجمهورية. وهو يصر على المرسوم الجوال الذي يفترض أن يحصل على تواقيع جميع وزراء الحكومة ليصبح نافذاً. ويرى التيار أن الاستثنائية التي يجري إضفاؤها على بعض البنود لا تصبح كذلك عندما يتبين أن هناك إمكانية لمعالجتها بطرق مختلفة. ويصر التيار على أن الرغبة بعقد الجلسة الحكومية إنما له بعد سياسي، وهو لا يزال راغباً بعدم انجرار حزب الله إلى هذا الفخ، مع إشارة واضحة من جانب مصادر التيار إلى أن مشاركة الحزب في الجلسة المقبلة سيكون له تأثير أكبر على العلاقة مع التيار.

الجلسة والكهرباء
من جهة أخرى، علم أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سيوجه اليوم الدعوة إلى جلسة تعقد الأربعاء، «لمناقشة بنود ضرورية ومهمة»، وفهم من الاتصالات الجارية أن «ميقاتي لم يتعهد بأن تكون الكهرباء بنداً وحيداً على جدول الأعمال، وقد تكون هناك بنود أخرى»، لكن الحزب أبلغه «أنه لن يناقش أي بند آخر باستثناء الكهرباء». ويدرس الحزب فكرة إصدار بيان حول موقفه من دعوة ميقاتي.
وبما أن الجميع يتصرف على أن جلسة مجلس الوزراء باتت أمراً واقعاً؛ لتسجيل هدف سياسي في مرمى التيار فقط. حيث كان بالإمكان حلّ المشكلة وتفادي دفع مليون دولار غرامات عبر وضع موافقة ميقاتي الاستثنائية على سلفة خزينة الكهرباء على سكة التنفيذ، خصوصاً أن رئيس الحكومة سبق أن وقع مئات الموافقات الاستثنائية في عهد الرئيس ميشال عون من دون الالتفات إلى القانون، وسبق لوزير المال مخالفة القانون باستخدام حقوق السحب الخاصة من دون العودة إلى مجلس الوزراء. لكن لأن القانون تحوّل إلى أداة ابتزاز سياسي خصوصاً في حال كان الملف يتعلّق بأمور الناس الحياتية، كان لا بدّ من الانقضاض على وزير الطاقة بتحميله وحده وزر الاعتمادات غير المفتوحة لأربع بواخر راسية على الشواطئ اللبنانية.
سريعاً (وكما هو متوقع) دخل رئيس هيئة الشراء العام جان العلية طرفاً في هذا الصراع السياسي، بمحاولة تحويله إلى مسألة تقنية. ومنذ نحو 10 أيام لا ينفك العلية يتنقل بين محطة تلفزيونية وأخرى مطالباً وزير الطاقة بدفع الغرامات من جيبه قبل أن يُعدّ لائحة مغالطات في مناقصة البواخر ليتلوها قبل أيام خلال اجتماع لجنة الأشغال والطاقة النيابية، وليعود يوم أمس إلى النغمة نفسها. على رغم أن رئيس هيئة الشراء العام هو نفسه حرص قبل شهرين (في 23 تشرين الأول 2022) على الإشادة بـ«نجاح مناقصات الفيول والغاز أويل لزوم مؤسسة كهرباء لبنان في أول مناقصة تجرى في المديرية العامة للنفط بإشراف ومتابعة مباشرة من قبل هيئة الشراء العام. بقيت هذه المناقصات ناجحة وشفافة وموضوعية إلى أن انقلب ميقاتي وبري وحاكم مصرف لبنان على الاتفاق مع وزير الطاقة، فباتت المناقصات بنظر العلية تحمل مغالطات ويفترض أن يؤمن اعتمادها قبل إبرام العقد (قانون الشراء العام الجديد يسمح بإطلاق مناقصة من دون توافر اعتماداتها). علماً أنه تم تأجيل المناقصة أسبوعاً كاملاً استجابة لملاحظات رئيس هيئة الشراء العام، الذي لم يسجل ملاحظات إضافية خلال مهلة العشرة أيام المتاحة بين التلزيم المؤقت والنهائي. بالمحصلة حوّل علية هيئة الشراء العام من هيئة مستقلة متخصصة مراقبة ومحايدة إلى مجموعة دعم لفريق سياسي على حساب آخر.
يريد ميقاتي تأمين الاعتمادات لشهر واحد لخلق ذريعة شهرية لعقد مجلس الوزراء


ويعقد فياض اليوم مؤتمراً صحافياً للحديث عن ملف الكهرباء الذي تناقشه حكومة تصريف الأعمال بغياب الوزير المعني. وبحسب المعلومات، سيطرح فياض مسألة حلّ مشكلة الكهرباء بشكل كلي ويدوم لأشهر، لا كما يطرحه ميقاتي لمدة شهر واحد ليعود إلى الابتزاز السياسي في الشهر الذي يليه. فميقاتي الذي منع اللبنانيين من التمتع بـ10 ساعات كهرباء نتيجة رضوخه لرغبات الأميركيين من خلال رفض الهبة الإيرانية وخضوعه لمافيا أصحاب المولدات، يريد المتاجرة بساعات الكهرباء الخمس التي سيحصل عليها المواطنون إذا ما حلت مشكلة البواخر وأعيد العمل بالعقد العراقي. لكن المطروح في جدول الأعمال تأمين الاعتمادات لشهر واحد، لتعود الأزمة نفسها بعد استنفاد إلـ 62 مليون دولار. لذلك سيطلب فياض أن تؤمن الاعتمادات للأشهر الستة المقبلة طالما أن المجلس ينعقد بظروف استثنائية ولمناقشة أمور حياتية طارئة، إلا إذا كان الهدف تأمين ذريعة شهرية لعقد مجلس الوزراء وإبقاء الكهرباء رهن التجاذبات السياسية. أما المطلب الثاني فهو تطبيق خطة الطوارئ المُعدّة لمدة ستة أشهر في المرحلة الأولى إلى حين تمكن مؤسسة الكهرباء من تمويل نفسها نتيجة زيادة التعرفة. وهو ما يستلزم موافقة واضحة من مصرف لبنان على تأمين الاعتمادات خلال هذه المدة. علماً أن سلامة اشترط في بيان دفع المبلغ المطلوب شهرياً عبر بيع المؤسسة دولارات وفق منصة صيرفة زائد 20%، وهو ما سيزيد الكلفة على المواطنين. أما مطلب فياض الثالث فهو تأمين توافق سياسي - أمني على إزالة التعديات وضمان دفع كل المشتركين لفواتيرهم. تطبيق هذا الشرط يحتاج إلى مؤازرة من وزارتي الداخلية والعدل وتأليف لجنة أمنية لمتابعة الأمر.