حين باشر التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية استعداداتهما لمعركة رئاسة الجمهورية، لم يكن هناك من يتوقع مفاجآت في إدارة المعركة الانتخابية، لعلم الطرفين بأن الأدوات المحلية ليست جاهزة بعد لانتخاب صنع في لبنان. كانت المهل تضيق أمام الأطراف المحليين من أجل صياغة استحقاق رئاسي داخلي، قبل أن يصبح مفتاح الانتخابات في جيب عواصم إقليمية وغربية.في ظل عدم إعلان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ترشحهما الى الرئاسة، خاض التيار معركته بورقة بيضاء، قبل أن يستفحل الخلاف مع حزب الله حول المرشح الرئاسي وانعقاد جلسة لحكومة تصريف الأعمال، لتصبح الورقة البيضاء موضع مساومة من جانب التيار في اختيار بديل من تلك التي يضعها الحزب في صندوق الاقتراع. في المقابل، فرضت القوات اتجاهاً واحداً بالتوافق مع الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة «تجدد» والكتائب وبعض الأصوات النيابية «التغييرية» التي التحقت بخيار النائب ميشال معوض.
حتى الآن كان إيقاع الطرفين مضبوطاً، الى أن بدأت السيناريوات تتفلّت بعد الجلسة العاشرة واستمرار المراوحة على ما هي عليه، وفق رغبة الطرفين في إجراء الانتخابات وانتخاب رئيس وعدم ترك الفراغ طويلاً. لكن لكل منهما خريطة طريق مختلفة. وتالياً، أصبحت الخطة «ب» لكليهما رهن التحالفات والضغوط المتبادلة، والاستراتيجية التي يفترض اعتمادها للوصول الى انتخاب رئيس.
ليست الخطة «ب» لدى القوات حدثاً من خارج المسار التقليدي منذ اللحظة الأولى لدراسة وضعية الانتخابات. كان الأمر مطروحاً على الطاولة مع الحلفاء الذين قرروا السير بمرشح واحد، رغم أن لكل منهم مرشحين آخرين كانوا يفضلون السير بأحد منهم. إلا أن التوافق على اسم معوض جمع الكل تحت لافتة واحدة. والقاعدة كانت بالاتفاق مع معوض نفسه على السير به «مرشحاً نهائياً» الى حين انتخابه. فالخطة «أ» هي الحصول على 65 صوتاً. لكن إذا استمرت المراوحة بالبقاء على رقم يجاوز الأربعين بأقل أو أكثر بقليل، فهذا يعني إعدام أي فرصة لانتخاب رئيس جديد. وهذا ما يرفضه كل أفرقاء المعارضة ومعوض منهم.
المعارضة متمسّكة بمعوض حتى ظهور مرشح قادر على أن يحقق خرقاً في سقف أصواته


ما لفت القوات أخيراً أن هناك هجمة سياسية من خصومها لتصوير أن المعارضة الحزبية في صدد التخلي عن معوض، «وهو ليس بالأمر الصحيح»، ولا سيما أن الهجمة نفسها كانت قد بدأت منذ اللحظة الأولى لتصويره على أنه مرشح ظرفي، وأن الكل سيتخلى عنه لحظة احتدام المعركة. وقد يكون زاد من حجم الإحاطة بما سبق، حركة معوض السياسية الأخيرة، وبعض المرشحين المفترضين، ما اضطرّ القوات الى إصدار بيان يؤكد تمسكها بمرشحها. هذا التمسك يقابله فتح النقاش مع معوض وغيره من الحلفاء في «نهائية» ترشيح المعارضة له، في مقابل وضع استراتيجية الحصول على أمرين: الضغط لإجراء الانتخابات في الداخل والخارج ودرس الأفكار المطروحة لذلك، وتأمين الأصوات الكفيلة بإيصال مرشحها الى الرئاسة. عدا ذلك، لا شك في أن القوات وحلفاءها يتداولون مع مرشحهم كيفية مقاربة المرحلة المقبلة لكسر المراوحة. فأيّ نتيجة يمكن التوصل إليها في حال اختيار اسمٍ ثانٍ، وحصوله على عدد الأصوات نفسه الذي حصل عليه معوض حتى الآن؟ ببساطة، هذا يعني استبدال مرشح بآخر من دون أي سبب منطقي، والاستمرار في الشغور الرئاسي. في حين أن أي مرشح يمكن أن يحصل على الأصوات الكافية لانتخابه، إضافة إلى المواصفات التي تضعها المعارضة، يفتح المجال أمام تشاور داخلي بين مكونات المعارضة ومرشحها من أجل خطة «ب» واقعية بالتفاهم مع كل أطياف المعارضة. وما تسمّيه المعارضة اليوم «حملة ترهيب على معوض» كان يمكن أن تشكل خطراً على إدارة المعركة لولا «أن المعارضة متنبّهة للسير بخطة واضحة بالاتفاق مع مرشحها الدائم».
في المقابل، تبدو الخطة «ب» لدى التيار الوطني على تماسٍ مع حزب الله، وإمكان تحقيق تفاهم معه. منطقياً، هو الذي يقف حتى الآن بأصوات كتلته أمام انتخاب المرشح سليمان فرنجية. ومعارضة التيار الوطني له تصبّ في مصلحة المعارضة والتيار معاً. إلى ذلك، فإنّ المروحة الواسعة التي فتحها التيار في الحديث عن لائحة عريضة من المرشحين تعني أن لا خطة رديفة طالما أن الخلاف انفجر بينه وبين الحزب حول ترشيح فرنجية، ومن ثم طرح اسم قائد الجيش العماد جوزف عون. لكنّ هناك فارقاً بين أن يضع التيار خطته وتزكية واحد من المرشحين وصولاً الى احتمال طرح اسم باسيل نفسه، وبين موافقة حزب الله عليه والسير معاً بمرشح واحد. حتى الآن، لم يكسر باسيل الجرّة مع الحزب رئاسياً. بمجرد أن أشاع جواً لتسمية مرشح أو أكثر، وعاد وحصره بمناقشات داخلية يعني أنه لم يقفل الباب أمام مساعي الحوار مع الحزب ولم يشهر ورقة المعارضة في وجهه. وهو تماماً تصرّف مع لائحة مرشحين غير رسميين، كما يتصرف الحزب مع فرنجية مرشحاً غير رسمي، فاتحاً المجال للتفاوض على سلّة أسماء من دون أن يكون أحدها المرشح الأول والنهائي، الذي قد يكون هو لا سواه في نهاية المطاف.
في المحصلة، يتفق التيار والقوات على أن لا خطة «ب» في الوقت الراهن، تماماً كما أنه لا رئيس للجمهورية قريباً.