بدأت الزيارة التي ينوي قضاة فرنسيون القيام بها إلى لبنان، للاطلاع على ملف التحقيقات في جريمة تفجير مرفأ بيروت، تكتسِب أهمية في مضمونها وتوقيتها، وخصوصاً أنها تترافَق مع تصعيد قضائي - شعبي يمنع القيام بأي خطوة من شأنها تحريك الملف أو فتح نافذة فيه، وكأن المقصود منها التأكيد على فشل القضاء اللبناني في الوصول إلى «الحقيقة»، وحاجته إلى «وصيّ» خارجي للدفع نحو تدويل القضية.فقبل أيام من وصول الوفد الفرنسي، تعاظم الغضب بين بعض أهالي ضحايا المرفأ الذين يبدو واضحاً أن هناك من يستثمِر سياسياً في معاناتهم وحقوقهم، ما أدى إلى فشل مجلس القضاء الأعلى في الانعقاد مجدداً أمس.
فبعدما دعا أربعة أعضاء من المجلس، هم القضاة: حبيب مزهر وميراي حداد وداني شبلي والياس ريشا، إلى جلسة استثنائية لمناقشة بند وحيد حول «البحث عن حلول تؤمن سير التحقيق العدلي في ملف المرفأ، صوناً لحقوق كل الأطراف من أهالي الضحايا والموقوفين»، كما يقول المحضر، إلى حين إنجاز تعيينات الهيئة العامة لمحاكم التمييز والبتّ في الدعاوى المقامة ضد القاضي طارق البيطار، تنصّل رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبّود من المسؤولية، فحضر إلى «العدلية» من دون أن يدخل مكتبه أو إلى الجلسة التي لم يتأمن نصابها (6 قضاة)، بعدما طلب من القاضي عفيف الحكيم التغيّب وإقفال هاتفه، فيما غاب النائب العام التمييزي غسان عويدات عن الجلسة.
في الأثناء، كانَ التجمع أمام قصر العدل في بيروت قد اكتمل لأهالي الضحايا الذين يجري «استغلالهم» لممارسة الضغط، معتبرين أن «زيارة الوفد الأوروبي فرصة لتجنب طمس العدالة». وليسَ أدلّ على أن باطن الحراك سياسي بامتياز، من مشاركة النواب: بولا يعقوبيان ووضاح الصادق وسامي الجميل وفراس حمدان وإبراهيم منيمنة وغسان حاصباني في التحرك.
ولا تزال مصادر قضائية تعزو الاهتمام الفرنسي بالقضية إلى أن «فرنسا عيّنت قاضياً للنظر في جريمة قتل فيها مواطنون فرنسيون، وترى أن من حقها الحصول على تفاصيل التحقيقات». وبعدما تبيّن للجانب الفرنسي أنه يتعذر الاجتماع بالقاضي طارق البيطار الذي رفض سابقاً كشف أي معلومات قبل أن ينهي عمله، طلب الفرنسيون الاجتماع مع النيابة العامة التمييزية للاطلاع على تفاصيل الملف.
عبود يفشّل اجتماع مجلس القضاء الأعلى واستثمار سياسي لأهالي الضحايا


وفي السياق، تلقى المعنيون في لبنان رسائل أميركية مباشرة تتعلق بضرورة تحريك الملف. وفيما فسر البعض الأمر على أنه عودة الى استخدام الملف لأغراض سياسية، كشفت معلومات أن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا عقدت الأسبوع الماضي اجتماعات شملت عبود وعويدات والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وشدّدت على ضرورة تحريك الملف والإسراع في النظر في وضع الموقوفين. لكن البارز أن السفيرة الاميركية كانت واضحة في طلب البتّ بمصير مسؤول أمن المرفأ محمد زياد العوف الذي يحمل جنسية أميركية، والذي مارست عائلته ضغوطاً على أعضاء في الكونغرس الأميركي للتدخل لإطلاق سراحه. ولوّح أعضاء بتحريك لجنة نيابية أميركية تعنى بالرهائن الأميركيين خارج الولايات المتحدة، والتعامل مع الموقوف على أنه رهينة، ما يخوّل اللجنة أن تقترح على الحكومة الأميركية فرض عقوبات على المسؤولين المعنيين بتوقيفه، سواء كانوا إداريين أو قضاة أو أمنيين.