يتواصل رنين الهاتف داخل أحد المصارف، تصرخ إحدى الموظفات بصوت مرتفع: «ولك حدا يرد عالتلفون!». لم ينذهل أحد. اعتاد الجميع على الرداءة. في الماضي، كانت مصارف لبنان تعتني كثيراً بصورتها، من نظافة وترتيب وهدوء حركة الموظفين داخل الفروع والتعامل اللطيف مع المودعين (يزداد اللطف كلما زاد ثراء المودع طبعاً). لم تعد هذه المصارف تشبه تلك المصارف بشيء. أبواب حديدية وحراس بلباس أسود وطوابير من البشر أمام الصراف الآلي. أما في الداخل، فباتت أكياس النايلون السوداء المخصّصة للنفايات تُستخدم لنقل الليرات اللبنانية المتهاوية. أحدهم عبّأ ليراته في حقيبة سفر من الحجم الكبير. يصعب على المرء التصديق أنه داخل مصرف. حتى المصارف لم تعد تتظاهر أو تدّعي بأنها كذلك. وحدهم الناس يصرّون على التعامل معها كمصارف محترمة، فيطلبون مواعيد، ويقفون بانتظام أمام آلات الصرف غير آبهين بشمس حارقة أو بردٍ قارس.ولا تزال تسمع كثيرين يردّدون، بعد ثلاث سنوات، بأن المصارف غير مفلسة، أو أن الودائع موجودة في خزائن تحت الأرض! في البداية كنت أعتقد أن الناس ضحية تضليل المصارف وجوقاتها الإعلامية، لكنّ التضليل وحده لا يشرح تقبّل الناس لهذا الكم من الظلم. فتيقّنت أنه الإنكار. والإنكار في علم النفس هو آلية للدفاع النفسي. هو حيلة يقوم بها دماغنا علينا لحمايتنا من الشعور بالألم، أي أننا نكذب على أنفسنا لأن الحقيقة مؤلمة. نرفض التعامل مع الواقع المؤلم ومواجهته أو تقبّله، فيقوم دماغنا بالتلاعب علينا عبر تشويه الحقيقة ليسهل علينا الاستمرار. من يريد أن يصدّق بأن القطاع المصرفي كلّه أفلس وأفلس معه المصرف المركزي وطارت ودائع الناس وتبخّر جنى عمرهم؟ كيف تزول آثار ثلاثة عقود من التبجيل والتهليل الإعلامي والإعلاني لتلميع صورة هذا القطاع؟ أنا على قناعة بأن اللبنانيين يعيشون حالة إنكار جماعي.
المشهد أمام فرع «سوسيتيه جنرال» في الحمرا يعكس هذه الحال بامتياز. من سخرية القدر أن هذا الفرع ملاصق لمصرف لبنان ويقع مباشرة أمام وزارتي الداخلية والسياحة، وهذه المباني مسوّرة بجدارين على جانبي الشارع. يصعب أن تمر في هذا الشارع من دون أن تتبادر إلى ذهنك صور ليلة المصارف وزجاجات المولوتوف التي أشعلت باحة المصرف المركزي، وخيمة الاعتصام التي بات فيها عدد من الشباب والشابات شهوراً، والهتافات التي صدحت بها حناجرهم في وجه أصحاب المصارف والدعوات لسقوط حكم المصرف. تمر من هنا فتكاد تسمع صدى ذاك الهتاف في أرجاء الشارع. أين اختفى هذا الشعار؟ الشعارات على الجدارين تمت خربشتها جميعها. لا ينفع محوها بطلاء جديد لأنه سيكون مساحة نظيفة لكتابة مزيد من الشتائم. قاموا بدلاً من ذلك برسم دوائر فوق الشعارات والكتابة عليها لطمسها، مع ذلك لا يزال الكثير منها ظاهراً. لكن هنا أيضاً يصادفك مواطنون يصطفّون أمام الصراف الآلي، فتختنق الحناجر في رأسك ولا يسمع بعدها سوى صمت هزيمتك. لقد هزمتنا المصارف فعلاً.
في بداية الأزمة عام 2019، علق في حسابي 2000 دولار وبضع مئات الآلاف بالليرة اللبنانية. قرّرت حينها أن أتركها دَيْناً لي في رقبة أنطون الصحناوي. على مدى ثلاث سنوات، لم أصرف قرشاً واحداً منها. في إحدى المرات قررت أن أطّلع على الحساب كما أفعل عادة على تطبيق المصرف على هاتفي، فلم يعمل التطبيق. حاولت مراراً الاتصال بالرقم المخصص لخدمة الزبائن، لكن الاتصال يأخذك في كل مرة إلى طريق مسدود وينتهي دائماً بأن كل خطوط المصرف مشغولة، و«يرجى المحاولة من جديد». لا يمكنك إذاً التواصل مع هذا المصرف. عليك بالذهاب. لكن، أليس الذهاب إلى المصرف بمثابة اعتراف بشرعيته وقبول بسرقته لأموالنا وسكوتنا عنه؟ لم أذهب إلى أن أعاد المصرف تشغيل التطبيق فوجدت أن حسابي أصبح 1600 دولار، أي أن أنطون الصحناوي سرق من وديعتي 400 دولار بعد بدء الأزمة! كيف؟ أرسل المصرف مطلع عام 2020 رسالة نصية إلى جميع زبائنه يعلمهم بأنه سيسحب رسم حساب بقيمة 9 دولارات عن كل حساب شهرياً. وما العيب في ذلك؟ كيف يُعدّ الأمر سرقة وقد قام السارق بإعلامك بأنه سيقوم بسرقتك، شهرياً أيضاً. خطوة المصرف كانت تهدف إلى إجبار المودعين على سحب دولاراتهم بالليرة وتكبّد خسائر كبيرة. أن يبدِّد مصرفك وديعتك الأصلية فهي سرقة، أما أن يجبرك على إغلاق حسابك ومسامحته وكأنّ شيئاً لم يكن، فهي سرقة تتبعها صفعة على وجهك، أشد إيلاماً من السرقة نفسها.
ليس لي بسالة عبدالله الساعي أو جرأة سالي حافظ. دست على ألمي وذهبت إلى فرع المصرف في الحمرا. كانت بوابة المصرف الحديدية محكَمة الإغلاق بأغلال، أُلصقت فوقها ورقة كُتب عليها «مغلق». كان كثيرون متجمهرين هناك. وما لبث أن تقدّم شاب وفتح الباب بالكاد ربع فتحة سمحت لإحدى السيدات بالدخول بصعوبة. هو «جندي ربّ» وعضو ميليشيا أنطون الصحناوي ويعمل حارساً للمصرف. هو أيضاً الآمر الناهي هنا. يقرر من يدخل، يصرخ على امرأة كبيرة في السن، يرفع صوته في وجه مرافق لرائد في الجيش جاء ليسحب معاشه الشهري. نشوة القوة لديه تذكّرني بفيلم «ذا اكسبارمنت». هو في السابق لا شيء، لكنه هنا يأمر ويطاع. «جندي الرب» يسبّ الملكوت والملائكة والقديسين عندما يغضب.
أمام الصراف الآلي، بجانب باب المصرف، جمع آخر من الناس. يطلق «جندي الرب» اسم «جماعة صيرفة». هناك تعابير جديدة في ربوع المصارف. تكمن هذه العمليات بالاستفادة من فارق سعر الصرف بين السوق و«صيرفة»، إذ يسمح الصرّاف الآلي بسحب الليرات اللبنانية بالدولار على سعر المنصة، وهو أقل من سعر السوق، ما يؤمن ربحاً يساوي حوالي 25 دولاراً في كل 100 دولار. كل ما عليك فعله هو الانتظار في الطابور والمخاطرة بأن يتم إغلاق هذه العملية قبل أن يصل الدور إليك. تماماً كما كان يحصل في طوابير البنزين، حيث إن الصبر والانتظار في الطابور يمكن لهما أن يؤمّنا لك تنكة بنزين تبيعها في السوق السوداء بسعر أعلى. هو الوهم ذاته، وهم الـ 1500 ليرة بحلة جديدة اسمها «صيرفة». فالـ 1500 لم تكن مجرد سعر صرف، بل هي تأصيل للإنكار، للحقيقة الزائفة التي نعيشها بأن كل شيء على ما يرام. كيف نقتلع هذا الوهم إذا كان يكبر كلما طال أمد الانهيار؟ ترى ذلك في ردة فعل الناس على ارتفاع سعر الصرف. فهو عندما لامس الخمسين ألف ليرة، بدت الصدمة على وجوههم، لكن هذه الصدمة كانت نفسها عندما بلغ سعر الصرف ألفين وعشرة آلاف وثلاثين ألفاً. كل سعر صرف جديد يجعل من السعر الذي سبقه مقبولاً.
مع حالة الإنكار التي نعيشها، لا تحتاج المصارف إلى الكذب علينا، فنحن سنكذّب عيوننا وآذاننا وعقولنا. يقول أصحاب المصارف إنه متى أعادت لهم الدولة الأموال التي استدانتها منهم، فإنهم لن يتوانوا عن إعادتها للمودعين. هذا كلام صحيح. لكن أليس هذا اعترافاً صريحاً بأن مصارفهم مفلسة؟ ألا نستنتج من هذا أن المصارف لا تملك شيئاً من ودائعنا الآن، ولا حتى جزءاً منها، لأنها أقرضتها كلها للدولة؟ لكننا نرفض تصديق الإفلاس فنقنع أنفسنا بأن المصارف تتمنّع عن إعادة الودائع. لا نتقبل بأن الإفلاس حصل وانتهى عندما دخل أصحاب بعض المصارف في لعبة إقراض مصرف لبنان، وهم على يقين أن هذه الأموال لن تعود. راكموا فوائد خيالية مقابل تخليهم عن دورهم كمصارف، وتحوّلهم إلى عصابة نصب واحتيال، أي أنهم كانوا يعلمون أن الأموال التي يودعها الناس لديهم لن تعود وأمعنوا.
تماماً كما كان الرئيس السابق فؤاد السنيورة يفعل عندما كان يحذر من تعاظم الدَّيْن. خلال جلسة موازنة عام 2017، وقف السنيورة وكان رئيساً للوزراء، وأبلغ الحاضرين أنه «يقتضي (على من؟) المبادرة إلى إجراء مصارحة حقيقية مع الذات ومع المواطنين من أجل تكوين رأي عام متبصّر بالمخاطر المحدقة بلبنان»، وحذَّر من التخاذل فننتهي إلى «البكاء وصرير الأسنان». لم يكن السنيورة يضطر للكذب، فهو مثلنا متفرج يقوم بتوصيف الوضع المالي ليس إلا، بصورة دقيقة في الغالب، منتقداً حجم الدين العام وعجز الخزينة. أما المسؤول عن تراكم هذا الدين، فقال يوماً إنها الاجتياحات الإسرائيلية، وعدد ستة بدءاً من عام 1969 (اليوم بات يردّد أن حزب الله هو المسؤول). رئيس للوزراء ويقوم بإرشادنا الى الوصفة التي من شأنها معالجة الوضع المالي بعبارات من نوع «يتوجب»، و«يقتضي»، و«المطلوب»، فيخبرنا بأن السبيل لتخفيض العجز والدين العام هو تحقيق النمو المستدام عبر ترشيد الإنفاق وخفض حجم إدارة الدولة وترشيقها وزيادة إنتاجيتها وتحفيز الاستثمار، الخ.
بغضّ النظر عن موقفنا من هذه العلاجات، إلا أن الرجل خبير بالمحاسبة ويفقه بالمالية العامة، لكنه كان يعلم أن الأشباح التي يملي عليها ما يتوجب فعله (هو وحكومته) لن تطبّق أياً من وصفاته. كما المصارف، كان السنيورة يدرك بأننا سننتهي إلى بكاء وصرير أسنان، وبقي يمعن في تغطية العجز بمزيد من الدين. يعتلي فؤاد السنيورة اليوم المنابر من دون خجل، وبصفاقة قلّ نظيرها، ينشر كتباً عن الدَّين العام ويحاضر عن كيفية وقف التدهور والخروج من الأزمة. لا، هذا المشهد يتجاوز الوقاحة، بل هو أشبه بعقابٍ لنا على تخاذلنا وفشلنا.
في فيلم «اعترافات مدمنة تسوّق»، تتراكم الديون على ريبيكا بلوموود (تقوم بدورها الممثلة أيلا فيشر) المهووسة بعالم الموضة والأزياء والعلامات التجارية الفاخرة، ويؤدي تسوّقها اللا-إرادي إلى عجزها عن تسديد قروض بطاقات الائتمان، فتصبح طريدة وكيل هذه البطاقات لتحصيل ديونها. ثم تحصل بلوموود، بالصدفة، على وظيفة في مجلة تُعنى بعالم المال، إذ تكتب مقالة عن الأحذية وترسلها عن طريق الخطأ إلى مجلة اقتصادية بدل مجلة الأزياء، فيظن رئيس التحرير (الممثل هيوو دانسي) أن الأحذية ما هي إلا استعارة لشرح مفهوم الاستثمار الآمن. تبدأ بلوموود بكتابة عمود دوري في الصحيفة تشرح فيه المفاهيم الاقتصادية للناس العاديين بصورة مبسّطة من وحي تجاربها في التسوّق اللا-إرادي. عندما تحصل على الوظيفة تشير لها صديقتها إلى أنه من سخرية القدر أن شخصاً راكم هذا الكم من الديون يقدِّم نصائح للناس عن كيفية إدارة الأموال. في الفيلم تنكشف حقيقة بلوموود وتخسر كل شيء، أما في الواقع فقدرنا أن نشاهد فؤاد السنيورة يعيد اختراع نفسه.
كشف الانهيار زيف كثيرين في لبنان، لكنه لم ينصف الصادقين. عندما تحصل تقلّبات عنيفة وسريعة من هذا النوع، يصعب أن يغير الناس جلدهم ويعيدوا تموضعهم من دون أن يتنبه أحد. تصاريحهم قبل سنة، أو شهر، أو ربما أيام فقط، تفضحهم. لذلك، اضطرّ كثيرون للاعتراف بأن «الثورة» غيّرتهم، أو أنهم كانوا مخدوعين بالأوهام التي رسمها لهم الزعيم. هناك الذين عرّاهم الانهيار إلى حدّ باتت قاعدة أحزابهم تخجل منهم. هناك الذين امتهنوا إيهام النفس بما يصعب على العقل تقبله، وهناك من أقنع نفسه أنه أخطأ بعض الشيء، لكن ما كان بالإمكان أكثر مما كان. هناك من اعترف أنه كان على خطأ لأنه كان ضحية مؤامرة كبيرة لم تكن معالمها واضحة بعد.
لكنّ كثراً حذّروا من أننا سنصل إلى ما وصلنا إليه فمن أنصفهم؟ منذ أوائل التسعينيات، كان النائب السابق نجاح واكيم يحذِّر من سياسة تثبيت سعر الصرف الذي سماه «الشعار البرّاق الزائف»، ومن تضاعف الدين العام وتضخم نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي. اليوم يكرّر سياسيون و«خبراء» العبارات ذاتها، وكأنها اكتشاف حديث. كثر من هؤلاء كانوا يتغنّون بالسنيورة ويشتمون واكيم، واليوم باتوا يستخدمون تعابيره بلا وجل، فهل اعتذروا منه؟ لو كنا في بلد شبه طبيعي، ولو كان للعدل مكان في هذه البقعة البائسة من العالم، ولو حصلت ثورة حقيقية، ولو كانت للبنانيين ذاكرة نقية فلم يتكيفوا مع الزيف والانتهازية، ولو لم تحلّ لعنة الإنكار عليهم، لكانت نفدت كتب نجاح واكيم وشربل نحاس وجورج قرم من الأسواق وأُعيد نشرها بنسخ جديدة.
على عكس انتهازيّي اليوم، لم يكن نجاح واكيم يبدِّل حرفاً في قناعاته تبعاً لظروف المرحلة. «أصدقكم القول أيها السادة أن الناس يعيشون في بؤس مرعب وفاقة وعوز، وقد أخذوا يترحّمون على أسلافكم لأنهم لا يعرفون الحقيقة، وفي الغد عندما يتولى آخرون، حتى ولو كانوا أولئك الأسلاف، فإنهم سوف يترحمون عليكم أيضاً». هذه العبارة قالها نجاح واكيم في مجلس النواب عام 1999 ولم تكن موجّهة إلى رئيس الوزراء رفيق الحريري، بل إلى الحكومة التي ترأسها الرئيس سليم الحص في بداية عهد الرئيس إميل لحود. انتقد واكيم يومها كيف انقلبت الحكومة على خطة للإصلاح المالي كانت وضعتها لجنة من الخبراء وفيها اقتراحات جدية كالضرائب على الأرباح العقارية وعلى فوائد سندات الخزينة والثروة والأملاك البحرية. وفي المداخلة نفسها، انتقد واكيم إعادة تعيين رياض سلامة حاكماً للمصرف المركزي، واعتبر ذلك مؤشراً إلى الاستمرار في السياسة المالية والنقدية التي أدّت إلى الإفلاس. وأضاف: «في موضوع الاستدانة بالعملات الأجنبية، أذكّر بمداخلة الرئيس الحص نفسه في العام الماضي عندما شرح بعض مخاطر هذه الاستدانة، وها هي حكومته اليوم تتبنى بالكامل كل ما كان ينتقده بالأمس ويحذر منه».
إذا لم نقم بمراجعة صادقة لما سمحنا بارتكابه باسمنا سنسلّم أولادنا بلداً يحكمه مجرمون ماليون كما سلّمنا آباؤنا بلداً يحكمه مجرمو حرب


ارتبط اسم نجاح واكيم دائماً بمعارضة الرئيس رفيق الحريري. ولكّن مهاجمته للحريرية لم تكن هواية يمارسها الرجل، فهو لم يألُ جهداً لرفع الصوت في وجه سياسات الاقتراض وتراكم الدين العام حتى في وجه حكومات حليفة له، في ما كان يسميه «عملية نهب منظّمة ستؤدي حكماً إلى الإفلاس». كان الإفلاس هاجسه على مدى السنوات، حتى إنه كان يقول في الدوائر الضيقة إن الإفلاس لا بدّ قادم في تشرين. بقي واكيم يتوجّس من الإفلاس من تشرين إلى آخر، وبقي الخارج يؤجّل موعده بمزيد من القروض التي كانت تغطي العجز وتكبّر الخسائر إلى أن توقف هذا الخارج عن تمويل عملية النهب بذريعة الإصلاح. صدق واكيم وكان الانهيار فعلاً في أحد أيام تشرين. نجاح واكيم، ومن دون مبالغة، كان خصماً نزيهاً لرفيق الحريري، وكان يقارعه بالاقتصاد وليس بالأوزان والأحجام الطائفية.
إذا كان لا مجال للمحاسبة في لبنان، فعلى الأقل علينا ترسيخ قناعة شعبية واضحة عن المسؤولين الفعليين عن الانهيار، وعلينا رفض تزوير التاريخ والإصرار على تأريخ سليم للإفلاس ومسبّباته وجذوره، وعلينا الإقرار بالواقع ورؤيته على حقيقته ومرارته، فهذه المصارف المدعّمة بالحديد والحراس ليست بمصارف، بل أوكار للعصابات، وعلينا أن نراها كما هي فعلاً ونتعامل معها على هذا الأساس، لأننا إن لم نقم بمراجعة صادقة لما سمحنا بارتكابه باسمنا، فسنسلّم أولادنا بلداً يحكمه مجرمون ماليون كما سلّمنا آباؤنا بلداً يحكمه مجرمو حرب.