نحو الفوضى يسير العام الدراسي في المدارس الرّسمية، التي ستتحوّل اليوم إلى «ساحة كل مين إيدو الو» بحسب تعبير أحد الأساتذة، بعد سقوط الأطر النقابية تباعاً، نتيجة تحوّلها من أداة لحفظ حقوق ومكتسبات المنتمين إليها إلى أداة بيد وزارة التربية والمكاتب التربوية يديرونها كيفما يشاؤون. ستختلف أساليب التعبير بين مكان وآخر، إذ يتوقع أن يشهد اليوم إضرابات في ثانويات، وعدم التحاق أساتذة بأخرى، وصولاً إلى الإقفال التام في بعض المناطق. في المقابل، ستفتح الصفوف للتدريس بشكل شبه عادي في أماكن مغايرة. إذاً، لا انتظام للعام الدراسي، ولا مساواة بين تلامذة المدارس الرّسمية من ناحية عدد أيام التعليم، والمحتوى. فـ«التعليم ابتداءً من اليوم سيكون فركشة، ثانويات لن تفتح، وأساتذة سيتغيّبون، والتزام متفاوت بين المناطق» وفقاً لمدير ثانوية في منطقة جبل لبنان. ما سبق يظهر واضحاً من خلال البيانات الفردية الصادرة عن الهيئات التعليمية في الثانويات والمدارس الرسمية الداعية إلى «التوقيع والامتناع عن التدريس».
وصفة الانفجار
ما إن أعلن وزير التربية عباس الحلبي عن «معزّزات الإنتاجية»، المتمثلة بـ5 دولارات للأستاذ عن كلّ يوم حضور وتدريس، ثارت قواعد الأساتذة على وزارتها وروابطها معاً «ثأراً لكرامتها المهانة، والكذب المتمادي». ولـ«كبّ الزيت على نار الأساتذة المشتعلة»، ألحقت ما يعرف بـ«روابط التعليم» أول من أمس المؤتمر الصحافي للوزير ببيان لاجتماع «لا أحد يعرف أين عُقد»، بحسب أحد أعضاء الهيئة الإدارية في رابطة الثانوي. «بيان يبدو من سطوره وكلماته كأنّ كاتبه ليس أستاذاً»، إذ يدعو إلى «انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة»، ويقدّر «جهود وزير التربية»، ويعوّل على «لقاءات سفراء الدول، وما سيقدّمون من مساعدات»، ويطالب هذه الدول بـ«دعم صناديق المدارس والمعاهد الفنّية»، ويختم بالطلب من الأساتذة «العودة المؤقتة لصون ما تبقى من العام الدراسي». انفجرت مجموعات الأساتذة على وسائل التواصل الاجتماعي لحظة صدور هذا البيان، الذي يصفه عضو في رابطة التعليم الثانوي بـ«البيان اللقيط، من دون أم وأب»، ويشير إلى أنّ «هذه عادة الروابط عندما تريد الهروب، تصدر بيانات من دون تواقيع».

حراك الثانوي
بالإضافة لذلك، تشهد رابطة التعليم الثانوي المزيد من الانشقاقات، فالأعضاء الثلاثة التابعون لحزب الله لا يشاركون في الاجتماعات منذ أشهر. وتقدّم أنطوان بو عبدالله بطلب تعليق عضويته معلّلاً ذلك بـ«مخالفة بيان الروابط لما تمّ الاتفاق عليه في اجتماع الرابطة الأخير»، كما «لم تتجاوب الهيئة الإدارية لطلبه إصدار بيان آخر». وفي اتصال مع «الأخبار»، يصف حال أعضاء الهيئة الإدارية بـ«المسمار الواقع بين الدف والشاكوش». وتقدّم مقرّر فرع البقاع كامل رحال باستقالته مع كلّ أعضاء الفرع نتيجةً لـ«ضغط الأساتذة المستنكرين لكلام الوزير حول الـ5 دولارات». إلا أنّ الأمور لم تتوقف عند هذا الحدّ، بل تفيد مصادر «الأخبار» عن حصول نقاشات حادّة بين أعضاء الهيئة الإدارية، وانسحابات للبعض من مجموعات التواصل مع تهديدهم بـ«التبرؤ من بيان الروابط على الملأ»، واصفين البيان بـ«المساير للوزير»، و«المكتوب في أروقة وزارة التربية».
النقابي محمد قاسم «يربأ أن تصل رابطة الثانوي إلى مستوى يخاطبها فيها الوزير بلغة الـ5 دولارات»، ويشير إلى «عدم حصول هذا سابقاً منذ تأسيس الرّابطة حتى اليوم». وعن تصرفات وزير التربية يستغرب قاسم «عدم تقديره حال الأساتذة المادي والمعنوي»، ويرى بأنّه «كان الأجدى به التلويح بالاستقالة في حال عدم قدرته على تحقيق مطالب الأساتذة، لا تقديم الوعود الوردية الوهمية التنفيسية»، ويضاف إلى هذه التصرّفات «سماحه للمدارس الخاصة بزيادة أقساطها واستيفائها بالدولار مخالفين بذلك القانون 515». ويؤكّد قاسم على «ضرورة استقالة كلّ هذه الهيئة الإدارية التي خسّرت التعليم الثانوي ألوف التلامذة، بسبب المواقف غير المدروسة في تنفيذ الإضرابات».

استقالة غير مقنعة
وتبعاً لهذه الأحداث، تقدمّت ملوك محرز رئيسة رابطة التعليم الثانوي باستقالتها من رئاسة الرابطة ببيان «غير رسمي» نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي تشرح فيه الأسباب الكامنة خلف قرارها، إذ «وجدت نفسها عرضةً للتشهير والتخوين»، معلنةً انتماءها الصّريح لـ«تيار المستقبل المعني بالشأن التربوي»، ومتهمةً «البعض بتحويل معركته مع الدولة إلى معركة طائفية وشخصية معها». ولكن هذا الكلام لم يقنع النقابيين المتابعين، الذين يعيدون التذكير بـ«خطوات مشابهة قام بها رؤساء روابط سابقين وتراجعوا عنها»، إضافة إلى تذكيرهم بـ«ضرورة تقديم الاستقالة خطياً في حال كانت رئيسة الرابطة جديّة في طرحها»، واصفين ما قامت به محرز بـ«العاطفي، فالخروج من مجموعة الواتسآب لا يعني استقالة».
«هذه استقالة في الشكل، لا في المضمون» بحسب النقابي محمد قاسم، إذ يشير إلى «ضرورة تقديمها للهيئة الإدارية التي تنتمي لها»، وعلى إثر ذلك «يدعو نائب الرئيس لاجتماع فوري واستثنائي لمناقشة الاستقالة وتداعياتها»، ويختم بأنّهم «لا يستطيعون رفضها، إذ لا يمكن إلزام شخص برأي لا يتبناه».
خشية من وجود اتفاق بين الوزير والرابطة لجرّ الأساتذة نحو التعليم


لكنّ هذه الصّورة لا يرى فيها أحد النقابيين في منطقة الجنوب أمراً سيئاً بالكامل، فـ«هي تؤكّد حيوية العمل النقابي في التعليم الثانوي، وشعور المكاتب التربوية بخطئها تجاه أساتذة التعليم الرسمي، وسقوط وعود الوزير واحداً تلو الآخر». أمّا الاستقالات فيعيدها إلى «سوء إدارة الهيئة الإدارية، وربط قرارها بالروابط المربوطة بالمكاتب التربوية»، ولا يرى انتظاماً للعمل النقابي الثانوي إلّا بعد الانفكاك التام عن هيئة التنسيق النقابية»، ولكنّه يبدي خشيةً من «وجود اتفاق بين الوزير والرابطة لجرّ الأساتذة نحو التعليم، وإبعادهم عن الإضراب، بناءً على تجارب سابقة».



لا تعليق عضوية في النظام الداخلي
وفقاً للنظام الداخلي لرابطة التعليم الثانوي، لا يوجد شيء اسمه «تعليق عضوية في الهيئة الإدارية». في المقابل، تشير المادة 44 من الفصل السّادس إلى «فقدان عضو الهيئة الإدارية مسؤوليته إذا تغيّب ثلاث جلسات متتالية من دون عذر شرعي»، وتتابع المادة 45 أنّه «في حال انقطاع أحد أعضاء الهيئة الإدارية عن ممارسة مهامه لأسباب مشروعة تكلّف الهيئة الإدارية بقرار منها أحد أعضائها لينوب عنه».
وفي ما يتعلّق باستقالة أحد أعضاء الهيئة الإدارية، ومنهم رئيس الهيئة، فيشير نقابي متقاعد إلى «ضرورة تقديمها خطياً للهيئة الإدارية، التي لها الحق في قبولها أو رفضها»، وفي حال قبلت استقالة رئيس الهيئة الإدارية فـ«تؤول صلاحياته لنائب الرئيس» بحسب المادة 12 من النظام ذاته، ولكنّ لا يعتبر النائب رئيساً، بل تحتاج الهيئة لانتخاب عضو آخر منها لهذا المنصب، أو تكمل ولايتها من دون رئيس وفقاً لأحد أعضائها. هذا ولا تعتبر الهيئة الإدارية مستقيلةً إلا في حال «استقالة أكثرية أعضائها، أو حجب مجلس المندوبين لثقته عنها» بحسب المادة 40.