طهران | تمضي طهران قُدُماً في إبداء عزمها على استئناف محادثات إحياء الاتفاق النووي، الذي لم يَعُد الأطراف الغربيون، في المقابل، يبدون حماسة إزاءه، خصوصاً بعد موجة الاحتجاجات التي شهدتها إيران على مدى ثلاثة أشهر، والتي حفّزت لديهم رغبة في استثمارها بمواجهة النظام. لكن انحسار الاضطرابات دفَع بالسلطات الإيرانية إلى بعْث إشارات واضحة تُبدي فيها رغبتها في العودة إلى الصفقة، وهو ما تبدّى في الحراك الديبلوماسي المكثّف الذي تشهده المنطقة، ولا سيما الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى مسقط، حيث أعلن «فتح نافذة» التوصّل إلى اتفاق
في ظلّ الحراك الديبلوماسي المكثّف في المنطقة، تتزايد التكهُّنات في شأن استئناف المحادثات النووية بين إيران والقوى العالمية في محاولة لإحياء «خطّة العمل الشاملة المشتركة» (الاتفاق النووي). وتأتي في صدارة تلك التحرُّكات، الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أول من أمس، إلى العاصمة العُمانية مسقط، حيث التقى السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، ليسلّمه رسالة من الرئيس إبراهيم رئيسي. وأعادت هذه الزيارة إلى الأذهان الدور الذي تضطلع به السلطنة في مجال الاتّصالات والقنوات الديبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة، لا سيما وأن خطوة عبد اللهيان، في هذا الوقت تحديداً، يمكن أن تؤشّر، قبل أيّ شيء، إلى تطوّر جديد في مسار المحادثات النووية. وممّا يُعزّز ذلك الافتراض، التصريح الذي أدلى به الوزير الإيراني من مسقط، حين قال إن بلاده تُرحّب «بأيّ مبادرة لسلطان عُمان للتوصُّل إلى اتفاق جيّد». وفي معرض إشارته إلى دور مسقط في المحادثات الإقليمية والدولية ودور المسؤولين العُمانيين في الوساطة، أضاف أن هؤلاء «اضطلعوا، خلال الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية، بدور بنّاء في تقريب وجهات النظر بين الطرفَين». وسعى عبد اللهيان، من خلال قوله إن «نافذة التوصّل إلى الاتفاق، مفتوحة اليوم من جانب إيران»، إلى إعلام الطرف الغربي بأن الجمهورية الإسلامية جاهزة للمضيّ قُدُماً في طريق إحياء الاتفاق النووي، مذكّراً، في الوقت ذاته، بأن «الغربيين لم يتعاملوا بواقعية مع الأمور»، وبأنه «ليس واضحاً ما إذا كانت هذه النافذة ستبقى مفتوحة إلى الأبد». وتجدر الإشارة إلى أن الوزير الإيراني التقى نظيره العُماني، بدر البوسعيدي، الأسبوع الماضي، على هامش مؤتمر «بغداد 2» في الأردن، والذي شهد أيضاً لقاء جمع عبد اللهيان إلى نظيره الأوروبي جوزيب بوريل، اعتبره مراقبون محاولة جديدة لاستئناف المحادثات النووية.
توجيه طهران دعوة إلى غروسي لزيارتها، يمكن أن يؤشّر إلى عزْمها على وضْع نهاية لأزمتها مع الوكالة


وبعدما فشلت المفاوضات التي تجدّدت في نيسان 2021 في التوصّل إلى اتفاق لإحياء الصفقة النووية، تسبّبت الاحتجاجات والاضطرابات التي شهدتها إيران على مدى ثلاثة أشهر بتضاؤل الآمال في العودة إلى الاتفاق. ومع هذا، يبدو أن مشاورات تجري وآمالاً جديدة تُعقد مع انحسار موجة الاحتجاج، خصوصاً في ظلّ علوّ أصوات إيرانية تطالب بإحياء «خطّة العمل الشاملة المشتركة». وبدا لافتاً أيضاً أن زيارة عبد اللهيان إلى مسقط تزامنت مع إعلان الناطق باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، أبو الفضل عموئي، أنه «من وجهة نظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإنه من الممكن إحياء الاتفاق النووي، بيد أن نتيجة ذلك تتوقّف على النظرة الواقعية للأطراف الأخرى»، وأنه «إن كان الطرف الآخر جاهزاً للعودة إلى التزاماته السابقة، ورفْع العقوبات بشكل مؤثّر، فنحن جاهزون أيضاً لاتخاذ الإجراءات التعويضية».
وفي تطوّر مهمّ آخر، تحدّثت بعض وسائل الإعلام عن زيارة قريبة سيقوم بها المدير العام لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، رافاييل غروسي، إلى إيران، تلبية لدعوة وجّهتها طهران، من المقرَّر أن تتمّ بعد عطلة عيد الميلاد. وستأتي هذه الزيارة في أعقاب أخرى قام بها وفد من الهيئة الدولية إلى إيران، برئاسة مساعدها لشؤون اتفاقات الضمان، قبل عشرة أيام، وكان هدفها إجراء محادثات حول القضايا الخلافية العالقة بين الجانبَين في ما يخصّ المواقع الثلاثة غير المعلَنة التي عُثر فيها على آثار يورانيوم، والتي أدّت، حتى الآن، إلى تبنّي مجلس محافظي الوكالة قرارَين ضدّ الجمهورية الإسلامية. وتشكّل هذه الخلافات إحدى العقبات الرئيسة التي تعترض إحياء «خطّة العمل الشاملة المشتركة»، فيما يبدو أن توصّل الطرفَين إلى اتفاق، يمكن أن يوفّر أجواء نفسية ملائمة لتحقّق التسوية النووية. وعليه، فإن توجيه طهران دعوة إلى غروسي لزيارتها، قد يؤشّر إلى عزْمها على وضْع نهاية لأزمتها مع الوكالة.
وفي سياق متصل، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن موسكو «لا تعتقد بأن نقطة اللاعودة قد تمّ تجاوزها في شأن استعادة الاتفاق النووي الإيراني»، مضيفاً أن «البحث عن بدائل لاستعادة خطّة العمل المشتركة محفوف بالتصعيد وبسباق التسلّح، وقد تكون له عواقب لا رجعة فيها». ومع ذلك، فإن أصواتاً مختلفة ومتناقضة تُسمع في الغرب حول محادثات إحياء الاتفاق النووي. فبينما تشدّد بعض الأطراف، بما فيها جوزيب بوريل، على ضرورة مواصلة المشاورات، تبدي أخرى، من مِثل وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربورك، عدم حرص بلادها على خوض هذه المحادثات، إذ قالت عدّة مرّات، خلال الأيام الأخيرة، إنها لا ترى أيّ مؤشّر إلى استئنافها. ويرى مراقبون أن الاحتجاجات الأخيرة في إيران تشكّل السبب الرئيس وراء تراجع رغبة بعض الدول الغربية في إجراء مفاوضات مع طهران، إذ إن تلك الدول التي تتّهم السلطات الإيرانية بقمع المحتجّين، إنْ أرادت الدخول في محادثات جديدة أو التوصّل إلى تسوية، ستتعرّض لضغوط داخلية، وهو ما يمكن أن يشكّل عاملاً رادعاً يُعيق إحياء الاتفاق النووي في المستقبل المنظور.