«الوسيط الدائم» الذي يُلجأ إليه خلال أي حرب إسرائيلية على غزة، أثبت خلال عملية «الجرف الصامد»، أنه غير قادر، عن قصد أو عن غير قصد، على إيصال الأمور إلى نهاية ترضي كافة الأطراف المتحاربة. المعطيات الأخيرة التي فرضتها «حماس» على أرض الواقع بعد فشل المبادرة المصرية، وضعت الإعلام ومعاهد الدراسات الغربية في مواجهة مع تساؤلات لم يطرحوها من قبل في سياق بحثهم عن سبل لوضع حدّ للأزمة الحالية. لماذا لم تنجح المبادرة المصرية؟ وهل هناك إصرار على عدم إنجاحها؟
في تقرير لمجلة «فورين بوليسي» الأميركية، أمس، بعنوان «الأسطورة العظيمة حول مصر»، تؤكد أن مصر لم يكن لها قطّ دور فعال كوسيط للتهدئة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأن النظام المصري الحالي مستفيد من استمرار ضرب غزة.
كاتب التقرير ستيفن كوك يرى أن «ما يقوم به المصريون اليوم خلال عملية الجرف الصامد، هو ما كانوا يقومون به عادة، أي الاهتمام بأنفسهم فقط».
ويضيف أن «الحكومة والاستخبارات المصرية الحالية تنظر إلى غزة كما كانت تنظر إليها سابقاً خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك»، موضحاً في هذا الإطار أن كل ما تريده الإدارة المصرية هو «الإبقاء على الفلسطينيين، وخصوصاً حماس، داخل علبة، لمنع تأثير الصراع على أمن شبه جزيرة سيناء ولضمان بقاء قطاع غزة من ضمن المسؤولية الإسرائيلية، ما يمنع أي لاعب إقليمي آخر من التدخل في غزة». كذلك يرى كوك أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة خدم المصالح السياسة المصرية «المعادية» لحماس في كل الأحوال، لأنه في المقام الأول، أضعف القوة العسكرية لحماس من دون أدنى تكلفة من جانب مصر، إضافة إلى أن استمرار الحرب بعد رفض حماس للمبادرة المصرية، أدى إلى زيادة العداء لجماعة «الإخوان المسلمين»، من خلال العداء للحركة الفسلطينية.
«السيسي هو الفائز في كل الأحوال»، بحسب ما يؤكد كوك الذي يضيف أيضاً أن هذا الأخير «يحاول من خلال عدم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، تحقيق ما حققه كل من الرئيسين السابقين حسني مبارك ومحمد مرسي، من خلال التوصل إلى إطلاق النار».
أسباب أخرى كانت وراء فشل المبادرة المصرية، وفق ما يرى معهد «مجلس الأطلسي»، الذي يوضح في أحد تحليلاته أن «الظروف التي كانت موجودة خلال الحرب الإسرائيلية على غزة في عام 2012 غير متوافرة حالياً».
المعهد يشير إلى أن «الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي كان متعاطفاً مع قضية حماس التي تعتبر فرعاً من الإخوان المسلمين». ويشير إلى أن مرسي «قام بإجراءات تُسهم في خفض الحصار على قطاع غزة من قبل الجانب المصري، وذلك بفتح معبر رفح وتسهيل نقل المساعدات الإنسانية».
وبناءً على ذلك، يلفت المعهد إلى أن حماس جلست، حينها، إلى طاولة المفاوضات متسلّحة بثقتها بالرئيس الإسلامي، الأمر المفقود حالياً مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
فالعلاقة بين مصر وحماس بدأت تشهد تغيّراً جذرياً بمجرد وصول هذا الأخير إلى السلطة، مع اتهامه الحركة بالمشاركة في موجة التشدد في شبه جزيرة سيناء. وبلغت عدائية السيسي ذروتها حين قرّرت الحكومة المصرية حظر أنشطة حماس داخل مصر والاستيلاء على مكاتبها.
وبعد كل هذا، كيف لحماس أن تقبل بالمبادرة، في ظل فقدان الثقة بينها وبين الحكومة المصرية؟
يجيب المعهد عن هذا التساؤل بالإشارة إلى أن «نقص الثقة خرج إلى العيان، عندما رفضت حماس الدخول في وقف إطلاق النار المقترح، مشيرة إلى أن هذا الاقتراح لم يجرِ التطرق إليه رسمياً من قبل مصر».
ويضيف المعهد أن وزير الخارجية المصري أصرّ على أنه قام باتصالات مكثفة مع كافة الأطراف، ومن بينها حماس، إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أشار حينها إلى أن الموضوع طُرح على طاولة المفاوضات مع انتظار إجابة من الفصائل الفلسطينية. وتعقيباً على هذه الأحداث، خرج «المجلس الأطلسي» بتساؤل عما إذا طرحت مصر وقف إطلاق النار، من دون التحدث مباشرة مع المتحاربين الأساسيين مسبقاً. المعضلة الأخرى التي تقف في وجه إنجاح المبادرة المصرية، هي تعنّت الإدارة المصرية وإصرارها على احتكار دور الريادة في منطقة الشرق الأوسط، مع إصرارها على عدم التعاون مع أطراف فاعلين يمكنهم أن يُسهموا في وضع حد للحرب الحالية.
صحيفة «نيويورك تايمز»، سلّطت الضوء في تقرير نشرته، أول من أمس، على أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري واجه حقيقة صعوبة في هذا الإطار، لدى وصوله إلى القاهرة. فأميركا بحاجة إلى مساعدة ثلاثة أطراف أساسية من أجل التواصل مع حماس، وفق «نيويورك تايمز» التي توضح أن على الولايات المتحدة أن تعتمد على مصر وقطر وتركيا معاً، كي تؤدي ثلاثتها دور الوسيط مع حماس. لكن كاتب التقرير مايكل غوردن يشير إلى صعوبة هذه الخطوة، ذلك أن «هذه الدول لديها خلافاتها العميقة في ما بينها وفي ما يتعلق بالتعاطي مع حماس». وفي هذا الإطار، يقول الباحث في «معهد العلاقات الخارجية» والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية روبرت دانين، في التقرير إنه «سيكون من الصعب جداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن تجمع مصر وتركيا وقطر معاً الآن».
إضافة إلى ذلك، يشير المفاوض السابق في الشرق الأوسط دنيس روس، في سياق التقرير ذاته، إلى نقطة أخرى، هي أن «حماس وإسرائيل تريدان الظهور على أنهما تحققان انتصارات».
وينقل غوردن عن روس قوله إن «الجناح العسكري لحركة حماس سيحاول الصمود حتى النهاية ليبرهن أنه حقّق شيئاً». وفي مقابل ذلك، «ستعمل إسرائيل على إكمال العملية حتى تتمكن من تدمير عدد كبير من الأنفاق، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بناؤها من جديد».
وفي هذا التقرير، تنقل «نيويورك تايمز» عن مسؤول في الإدارة الأميركية قوله: «إننا نظن أن التوصل إلى وقف لإطلاق النار هذه المرة سيكون أصعب مما كان عليه خلال عام 2012، فالمنطقة تعاني من انقسام أكبر».