منذ سنوات، يردّد محمّد شقير أمام مقربين أنه سيكون يوماً رئيساً للحكومة في حال كان الرئيس سعد الحريري غير قادر على ذلك. ورغم أن بعض هؤلاء كانوا يسخرون في مجالسهم من هذه الطموحات، إلا أن رئيس ​الهيئات الاقتصادية اللبنانية​ السابق، المُتمرّس في كيف تؤكل الكتف السياسية، لم يستسلم. هو الذي عاش «عقدة» عدنان قصّار حتى انتزع منه رئاسة غرفة التجارة والصناعة والزراعة بعد 30 عاماً، قبل أن يحل مكانه أيضاً في مجلس الوزراء.عرف «تاجر الشوكولا» كيف ينسج علاقات مع أصحاب وسائل إعلامية وإعلاميين كانوا على «payroll» الغرفة التي ترأسها مقابل إطلالات تلفزيونية، وكيف يتقرّب من «مُقاولي الجمهورية»، تحديداً دائرة الحريري اللصيقة عبر الصفقات التجارية. وحل بـ«مَوْنة» رجال أعمال (تربطه بهم علاقة شخصية وتجارية وطيدة و«يؤمن» مثلهم بنظرية بيْع الدولة وخصخصة القطاعات الحيويّة) وزيراً للاتصالات في حكومة الحريري بين 31 كانون الثاني و30 تشرين الأول من عام 2019.

أرشيف (مروان طحطح)

أطاحت «الثورة» التي اندلعت بذريعة اقتراحه فرض ضريبة على خدمة «واتساب» بالحكومة التي كان وزيراً فيها، لكنها لم تطح بأحلامه. فتمكّن، بحسب مطلعين، من الاستحصال على وعدٍ من الحريري بأن يكون، في انتخابات 2022، على رأس لائحة «المستقبليين» في بيروت، بعد الحريري نفسه، قبل أن يُجبر الأخير على الانسحاب نهائياً من المشهد السياسي ويترك شقير ضائعاً... ولكن ليس تماماً. هكذا، قرّر الإمساك بالعصا من وسطها: لم يترشح إلى الانتخابات حفاظاً على علاقته مع الحريري، وانصاع في الوقت نفسه لرغبة السعودية في تقديم يد العون إلى الرئيس فؤاد السنيورة... بعيداً من الأضواء.
مع غياب الحريري الذي يبدو نهائياً، بدا أن القدر ابتسم لصاحب «باتشي» أخيراً، وآن أوان تحقيق طموحه بالوصول إلى السراي. وقرّر بدء رحلة الألف ميل التي تبدأ بـ... «كرتونة إعاشة». أسس شقير جمعيّة «بيروت الخير» التي توزّع مساعدات نقدية واستشفائيّة ومدرسيّة على البيارتة، وبدأ جولات على عددٍ من المناطق، وعمل على تثبيت علاقاته مع عددٍ من الشخصيات السنيّة. واستبق لقاء النواب السنة في 24 أيلول الماضي، بدعوة من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، بتجمع حضره عدد كبير من الوزراء والنواب السابقين وقيادات سياسية ومديرون عامون وفعاليات اقتصادية واجتماعية ونقابية ورؤساء بلديات ومخاتير وفعاليات من المجتمع المدني، أطلق فيه «نداء وطنياً جامعاً دعماً لمبادرة المفتي، بهدف حماية الدولة اللبنانية بكل ركائزها الدستورية والمؤسساتية والوطنية، محذّراً من «الخطر على ديمومة مؤسسات الدولة الدستورية وعلى الكيان».
استبق شقير إطلاق «كلّنا بيروت» بجولة على عددٍ من السياسيين من بينهم الحريري نفسه


كان ذلك، بحسب معلومات، بداية الطريق نحو حركة سياسية يُخطّط شقير لإطلاقها، وتضم فاعليّات بيروتيّة وتحديداً من كوادر سابقين في المستقبل كالنائبين السابقين سليم دياب ورولا الطبش، الرئيس السابق لاتحاد جمعيات العائلات البيروتية محمّد خالد سنو، المدير العام لشركة «خطيب وعلمي» سمير الخطيب، عضو مجلس بلدية بيروت عبدالله درويش، مستشار مفتي الجمهوريّة الشيخ خلدون عريمط، أمين عام الاتحاد العمالي العام سعد الدين حميدة صقر، أمين عام اتحاد المصارف العربية وسام فتوح... فيما يتردّد أنّ النائب فؤاد مخزومي والصحافي صلاح سلام (مقربّ من السنيورة) أبديا رغبتهما أيضاً في الانضمام إلى الحركة التي ستحمل اسم «كلّنا بيروت»، ويتوقع الإعلان عنها في احتفالٍ ضخم في أحد فنادق العاصمة الشهر المقبل.
ويستبق شقير إطلاق «كلّنا بيروت» بجولة على عددٍ من السياسيين من بينهم الحريري نفسه. إذ علمت «الأخبار» أن لقاءً عقد بين الرجلين في مقر إقامة الحريري في أبو ظبي. يروّج شقير، عبر مقربين، بأن الحريري، في الجلسة المغلقة، قدّم له دعماً معنوياً وبارك «كلّنا بيروت». وهذا ما ينفيه محسوبون على تيار المستقبل يؤكدون أنّ كلام الحريري كان عاماً، وأن من غير المنطقي أن يدعم الحريري «قطف» شقير قياديي المستقبل، وأنّ يبارك حركة هدفها الأول والأخير وراثة تياره.

دعمٌ سعودي؟
روايات شقير وتلك التي تنفيها تنطبق أيضاً على ما يتردّد عن دعمٍ سعودي تلقّاه من المملكة؛ تشير بعض الشخصيات المنضوية في «كلنا بيروت» إلى أن الرجل استحصل على دعمٍ مادي من السفارة، ويذهب بعضهم أبعد من ذلك بإشارتهم إلى أن السعوديين من ضمن الذين وعدوا شقير بأنه سيصبح رئيس حكومة بعد نجيب ميقاتي. وكان بارزاً، أثناء استقبال السفير السعودي في بيروت أخيراً مجلس رجال الأعمال اللبناني – السعودي الذي يضم شقير، حديث وليد البخاري عن «الأيادي البيضاء» لصاحب «باتشي».
في المقابل، تؤكد شخصيات تدور في فلك السفارة السعودية أن العلاقة مع شقير «عادية، كالعلاقة مع بقية الشخصيات السنية». ويلفت هؤلاء إلى «انفتاح سعودي على كل الشخصيات السنية منذ ما بعد العام 2015 حينما قرّرت المملكة نفض يديها من فكرة الأحادية السنية». حينها، استقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الوزير السابق عبد الرحيم مراد، وقبله انفتحت السعودية على فيصل كرامي، إلا أن حرب اليمن وانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية «خربطا» الأولويّات.
كل ذلك يؤكد، بحسب هؤلاء، أن المملكة لا تُريد إعادة إنتاج «نيو حريري». لذلك، تتعاطى مع جميع السياسيين السُنّة على قاعدة عدم إغلاق الباب بل تركه موارباً، والأهم أنها أقفلت «حنفيّتها» في وجه معظمهم. بالتالي، فإن مساعدات شقير هي من جيبه ومن جيوب بعض المتموّلين المقّربين منه. وهم مع إدراكهم أنه يعمل بجد في سبيل مساعدة البيارتة، لا يبدو من كلام بعض مسؤولي السفارة أنهم معجبون بخطواته، على عكس إبداء إعجابهم، مثلاً، بمؤسسات عبد الرحيم مراد والعمل الذي يقوم به نجله حسن أو حتى بإعجاب البخاري العلني بمؤسسات جمعية المشاريع الخيرية!
وإلى الدعم السعودي والحريري، يتغنّى شقير بأنه حصل أيضاً على غطاء إماراتي ومصري لـ«كلّنا بيروت». وبحسب مطلعين، فإن هذا الأمر ليس بعيداً، إذ إن وزير الاتصالات السابق يملك علاقات عنكبوتية في الإمارات بناء على أعماله التجارية، «وهو محبوب هناك تماماً كما في مصر حيث له مكانة خاصة لدى بعض المسؤولين ساعدته في نيْل رضى القيادة فيها على حركته». ومع ذلك، يرى هؤلاء أن العلاقات في الإمارات ومصر لن تقدّم له ما يريد، خصوصاً أن تأثير هاتين الدولتين في السياسة اللبنانية ضعيف.



انفتاح على الثنائي
إلى المساعي التي يقوم بها للحصول على مباركة سعودية لنشاطه السياسي كوريث مقبول للرئيس سعد الحريري، عاود الوزير السابق محمد شقير تنشيط قنوات التواصل مع ثنائي أمل وحزب الله، عبر شخصيات من المؤسسات الرسمية وصداقات بيروتية ورجال أعمال. الهدف من هذا التواصل تأكيد شقير أنّ أيّ دور قد يقوم به لن يكون موجّهاً ضد الثنائي، وأنه ملتزم طريق الرئيس الحريري في التنسيق حيث ينبغي في كل الملفات التي تخصّ الدولة وأبناء بيروت.
ويتحدث شقير في مجالسه عن علاقة طيبة تربطه برئيس مجلس النواب نبيه بري ووزراء سابقين ومسؤولين في حركة أمل، ويؤكد أنه على تواصل مع نواب من حزب الله لمتابعة بعض الشؤون البيروتية، فيما تؤكد مصادر أنه يعمل على توسيع مروحة تحركاته في العاصمة لتتجاوز اتحاد العائلات البيروتية والانفتاح على عائلات بيروتية من طوائف أخرى غير السنّة.