إنه لحدث جلل أن نفقد المناضل المجاهد، المهندس ليث شبيلات، وهو الذي أدّى دوراً سياسياً بارزاً في المعارضة الأردنية، كما في كلّ النشاطات الفكرية والسياسية التي عرفتْها الساحة العربية خلال الأعوام الثلاثين الماضية.لقد عُرِف ليث شبيلات، أوّل ما عُرف، بانتمائه إلى العمل الإسلامي داخل الأردن وخارجه، وكان صوفياً مزج بين التفرّغ للعبادة، والبحث عن الإصلاح وإنقاذ الأمّة. كما كان بحثه عن معيشه ومصالحه الخاصة أقلّ اهتماماته. لقد شغَله الوضعان العربي والإسلامي المتردّيان، وما حلّ بهما من تدهور وسلبيات، الأمر الذي جعله ناقداً للعمل الإسلامي والقومي العربي، ولكن من خلال موقفه على الأرض الإسلامية والعروبية، ومن دون أن تنحرف بوصلته عن مناهضة التبعية للخارج، وما ترتكبه القوى الإمبريالية بحقّ شعوبنا وشعوب العالم.
هنا، لم تنحرف بوصلته عن دعم المقاومة في فلسطين في مواجهة الاعتداءات الصهيونية، منذ عدوان 1967، وحروب 1982 و2006 و2008/2009، إلى وقوفه الحادّ مع حرب «سيف القدس» عام 2021. ظَلّ التحرير من النهر الى البحر هدفاً ثابتاً له، ولم تأخذه فيه هوادة، ولا سيما في مقاومة مشاريع التسوية، منذ ما قبل «اتفاق أوسلو» وانتهاءً بـ«صفقة العصر»، وما صَحِبها من تطبيق مُهين من قِبَل عدد من الأنظمة العربية.
ثمّة الكثير ممّا يمكن أن يُكتب عن ليث شبيلات في تأسيس ودعم «المؤتمر القومي - الإسلامي»، ودعم «المؤتمر القومي العربي»، والسعي للوحدة للإسلامية، وتوحيد صفوف مختلف تيّارات الأمّة الساعية إلى النهوض والتحرير والخلاص ممّا أصابها من انحطاط على يد قوى الاستعمار، ولا سيما منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى.
كان من النمط المناضل المجاهد الذي يقاتل مع الجماعة والجمع


على أن ثمّة الكثير ممّا يمكن أن يُكتب عنه أيضاً معارضاً في الأردن، أو عن معاركه الداخلية الفكرية والسياسية داخل الحركة الإسلامية، والحركات الوطنية والقومية واليسارية. فليث لم يكن من نمط المثقّف الذي يساوم زملاءه، أو المجاهد الذي يهادن إخوانه، فأقرب الناس إليه كان عُرضة للنقد. فيكفي أن يلتقط خطأً حتى يَجْبه به صاحبه، وذلك من دون أن يضيّع للودّ قضية إنْ أمكن، ولكن بشرط أن يبقى نقده صارماً كلّ الصرامة.
ولهذا، كان مستعدّاً دائماً لأن يواجه ما يشبه العزلة مع مَن حوله، ولكن ليعودوا، ويعود، إلى الالتقاء على نقاط تَجمع بينهم في اللحظة الضرورية، ولا سيما في معارك الأمّة ومواجهتها مع العدو الصهيوني أو مع الخارج الإمبريالي، أو مع المفرّطين والمتخاذلين.
ليث شبيلات كان من النمط المناضل المجاهد الذي يقاتل مع الجماعة والجمع، ولكنه مستعدّ لأن يقاتل داخل الجماعة والجمع وحيداً إذا ما رأى خطأً أو خللاً. ولهذا، تجده كثيراً ما تعذّب مع مَن هو معهم، وكثيراً ما تعاون وإيّاهم جنديّاً في المعركة. فرحمة الله عليه، وأسْكنه فسيح جنانه، وأبْقى ذكراه بيننا حيّةَ وملهِمة وقدوة حسنة.

* كاتب وسياسي فلسطيني