فالمشروع يميّز بشكل استنسابي بين الطالب الذي يدرُس في لبنان والذي لن يستفيد من أي دولار حتى لو كان قسط جامعته أو مدرسته «فريش»، وبين الطالب الذي يتابع علومه في الخارج. أيضاً بين المريض الذي يُعالج في المستشفيات اللبنانية، والمريض الذي يمكنه تلقي علاجه في الخارج. رغم ذلك، اتفق النواب على ما أعلنه نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب الاثنين الماضي، على أن «يوضع قانون الكابيتال كونترول على جنب بعد إقراره، لحين استكمال إقرار القوانين المتبقية المتعلّقة بخطة التعافي». وفي هذا الكلام مخالفة للنظام الداخلي، وفق السيد. فعندما تنتهي اللجان من مناقشة القانون وترفع تقريرها، لا يعود من صلاحيتها التصرّف به، بل يصبح ملك الهيئة العامة. إنما في حال كان هناك قانون يؤثّر على قانون آخر، يمكن عندها الطلب من الحكومة إرساله لمناقشتهما معاً: «ما في شي بينحطّ عجنب».
ما سبق، هو عيّنة عن المسار الذي يسلكه مشروع «الكابيتال كونترول» في لبنان رغم أن الدول تطبّق قانوناً كهذا بشكل استثنائي، من أجل إعادة التوازن إلى ميزان مدفوعاتها وحماية ما تبقى من دولارات. أما السلطة في لبنان، فتسعى إلى إقراره بعنوان «إنقاذ القطاع المصرفي وإعادة الثقة إليه». وهذا القطاع نفّذ بالتعاون مع مصرف لبنان سرقة العصر، وهو يطلب من السلطة التشريعية حماية، وتفادي إعلان الإفلاس بحجّة الكذبة نفسها: حماية أموال المودعين.
ويقول المحامي كريم ضاهر إن الغاية من المشروع المطروح الوصول إلى «نوع من إبراء ذمّة للمصارف ومصرف لبنان. أما الحديث عن عدم تطيير أموال المودعين فهو بدعة طالما أن لا قيود على الأموال الجديدة أي الدولارات الفريش المودعة حديثاً والعائدة لمودعين جدد، بينما ستطبق القيود فقط على أموال المودعين القدامى غير الموجودة أصلاً. وهو ما يحصل حالياً. إذاً لماذا يقرّون القانون؟».
لا علاج للمصارف سوى بإعادة الهيكلة التي كان يجب أن تنفّذ منذ أول تشرين الثاني 2019
ويشير ضاهر إلى ثلاثة أخطاء متعمّدة يتم الترويج لها إعلامياً:
1- القول أنه في ظل غياب الكابيتال كونترول ستظل الاستنسابية مستمرّة، لأن لا قانون يمنع التحويلات المالية إلى الخارج. لكن الحقيقة أنه بتاريخ 9/4/2020 أصدر مصرف لبنان تعاميم تحدّد الشروط والقيود لجهة السحوبات والتحاويل وآلية العمل بها، بموازاة خلق أسعار صرف متعدّدة تعمل على تذويب الودائع. وفي حال استنساب أيّ مصرف ومخالفته التعاميم، يمكن للبنك المركزي، عبر لجنة الرقابة أو هيئة التحقيق الخاصة، اتخاذ تدابير بحقه. وهو أمر حصل مع «فدرال بنك» و«بنك البركة» اللذين عيّنت عليهما الهيئة المصرفية العليا مدير مؤقّت، وقد تصل الإجراءات بحقّهما إلى تصفيتهما أو وضع اليد عليهما. إذاً، فلتقم لجنة الرقابة وهيئة التحقيق بعملهما لوقف الاستنسابية.
2- الإشاعة بأن عدم إقرار القانون بسرعة سيؤدي إلى تطيير أموال المودعين بسبب الدعاوى التي يقيمها كبار المودعين. في الواقع، لا وجود لدعاوى في لبنان وصلت إلى خواتيمها منذ سنتين إلى اليوم، فالقضاء مطواع ومتفهّم للمصارف لا للمودعين. أما الدعاوى المرفوعة في الخارج، فلم يكتمل منها بصورة نهائية سوى اثنتين. ووفق دراسات جارية الآن، ثبُت أن المادة التي تعلّق الدعاوى القضائية بحقّ المصارف لا تعترف بها الدول، بل يمكنها في أي وقت الحجز على أصول المصارف في الخارج.
3- اللغط الثالث يكمن بربط الكابيتال كونترول مع انهيار القطاع المصرفي المنهار أصلاً والذي لن يسعفه لا هذا القانون ولا غيره. إذ لا علاج للمصارف سوى بإعادة الهيكلة التي كان يجب أن تنفّذ منذ أول تشرين الثاني 2019 عندما أقفلت المصارف لمدّة أسبوعين من دون وجه حق.