طهران | شكّل الفوز الذي حقّقه المنتخَب الإيراني أمام ويلز في بطولة كأس العالم، دفْعة للجهود الحكومية الجارية لتطويق الاحتجاجات، التي كان تقلَّص أصلاً نطاقها لينحصر في مناطق غرب البلاد، بينما انحسرت على نحو كبير في العاصمة طهران، حيث حلّت الاحتفالات محلّها، وواكبها قرار قضائي يطلب «الرأفة القانونية» بالسجناء، تمهيداً للإفراج عن بعضهم. وفي موازاة الضغوط الغربية المتواصلة على خلفية الاضطرابات، وآخرها قرار «مجلس حقوق الإنسان» تشكيل لجنة تقصّي حقائق للتحقيق في «انتهاكات حقوق الإنسان في إيران»، سرت أنباء عن اتّصالات بين الحكومة ووجوه إصلاحية، تسعى إلى تهدئة الوضع في البلاد
أسهمت بطولة كأس العالم المُقامة في قطر، والتي اجتذبت أنظار العالم نحوها، في وضع الاحتجاجات في إيران على الهامش. وأثار الفوز الذي حقّقه المنتخب الإيراني على ويلز، بهدفَين مقابل لا شيء، موجة فرح في الداخل، لا سيما وأنه جاء بعد الخسارة الثقيلة التي مُني بها أمام نظيره البريطاني، وقبل المواجهة المرتقبة غداً مع المنتخب الأميركي. مواجهةٌ تأتي في ذروة التصعيد السياسي بين البلدَين، على خلفية المأزق الذي وصلت إليه محادثات إحياء «خطة العمل المشترك الشاملة» (الاتفاق النووي)، والاضطرابات التي تتّهم طهران، واشنطن بدعْمها والوقوف وراءها.
الفرحة التي عمَّت مختلف المدن الإيرانية، شاركت فيها شرائح وأطياف مختلفة من أبناء الشعب، فيما قرّر معارضو السلطة مقاطعة المنتخب الوطني الذي نعتوه بـ«منتخب الجمهورية الإسلامية». على أيّ حال، أعطى الفوز الأخير دفْعة وجرعة من الاعتداد بالنفس للحكومة وداعميها، ورفع معنوياتهم، وغيّر من أجواء الشارع الإيراني الذي كان، على مدى الأسابيع العشرة الأخيرة، مسرحاً للاحتجاجات التي اندلعت عقب وفاة الشابة مهسا أميني، والتي يبدو أن نطاقها تقلّص خلال الأسبوعين الأخيرين، لا سيما في العاصمة طهران، فيما عمّت الاضطرابات بشكل رئيس، المدن الكردية غرب البلاد.
وواكب أجواء التكاتف الناتجة من فوز المنتخب الإيراني، إصدار رئيس السلطة القضائية في إيران، غلام حسين إجئي، «أمراً خاصاً» طالب فيه بـ«الرأفة القانونية» بالسجناء، ليتمّ على أساسها التمهيد للإفراج عن بعضهم ممّن يستوفون الشروط اللازمة. وهو إجراء قال مراقبون إنه يأتي في إطار خفض التصعيد والتوتر اللذَين سادا على مدى الأسابيع الأخيرة. وفي إطار الاحتجاجات أيضاً، قدّم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، دعمه لقوات التعبئة (البسيج) خلال استقباله لهم، أوّل من أمس، وقال إن «التعبويين تعرّضوا للظلم خلال الأحداث الأخيرة لكي لا يُظلم الشعب على يد عدد من المشاغبين والمرتزقة أو المغفّلين» (والبسيج قوّة شبه عسكرية تابعة للحرس الثوري، أسهمت في إخماد الاضطرابات).
الاتصالات الأخيرة بين السلطة والإصلاحيين، يمكن أن تعني إمكانية الإفادة من طاقات هذا التيار لخفض منسوب التصعيد


وبعدما قدّمت، أخيراً، قراراً ضدّ إيران أمام مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» صادقت الأخيرة عليه في إطار تكثيف الضغوط على طهران تزامناً مع الاضطرابات فيها، طرحت الدول الغربية نفسها، الخميس الماضي، قراراً يستهدف الجمهورية الإسلامية في «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة، تمّت المصادقة عليه بـ25 صوتاً موافقاً، و6 أصوات معارضة، وامتناع 15 عضواً عن التصويت. وتأسيساً على القرار الآنف، سيتمّ تشكيل هيئة لتقصّي الحقائق يعيّنها رئيس المجلس، وتُكلَّف بإجراء تحقيق حول «انتهاكات حقوق الإنسان في إيران خلال الاحتجاجات التي اندلعت منذ 16 أيلول». هذا الإجراء الذي اتّخذت إيران موقفاً سلبياً منه، متهمةً المجلس باعتماد «معايير مزدوجة» و«مواقف تتعارض مع مقولة حقوق الإنسان»، اعتبرته «تدخّلاً في شؤونها الداخلية».
وتزامن طرْح ملفّ حقوق الإنسان في إيران، مع أنباء عن اتصالات تجري بين السلطة ووجوه إصلاحية، إذ تحدّث الناطق باسم «جبهة الإصلاحات»، علي شكوري راد، الأسبوع الماضي، عن لقاء عُقِد بين عدد من الإصلاحيين ورئيس السلطة القضائية، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني. وفي الإطار نفسه، قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية في تقرير، نقلاً عن «مصادر مطّلعة»، إن شمخاني دعا أسرتَي مؤسّس الجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني، وآية الله هاشمي رفسنجاني، أن تطلبا من المحتجّين بصورة علنيّة وقْف الاحتجاجات، لتهدئة الوضع في البلاد. وأكد الموقع الإلكتروني لـ«بيت متحف» هاشمي رفسنجاني، أن ابنته، فاطمة، عَقدت أخيراً لقاءً مع مجتبى خامنئي، نجل المرشد، تحدّثت خلاله عن الظروف التي تمرّ بها البلاد.
وفي الموازاة، نشرت أسبوعية «الصبح الصادق»، الناطقة باسم «الحرس الثوري»، في أحدث عدد لها، تقريراً حول الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، الذي يُوصف بأنه زعيم التيار الإصلاحي. وكتبت: «على رغم جهود بعض أطياف التيار الإصلاحي لتخطّي السيد محمد خاتمي، وكذلك المسافة الرسمية التي خطّها قسم من المتطرّفين الإصلاحيين مع النهج الإصلاحي والارتماء في أحضان المنادين بإطاحة النظام، يمكن القول إن رئيس حكومة الإصلاحات ما زال يُعد أبرز وجه في هذا الطيف وأكثره قبولاً». وأعربت الأسبوعية عن قناعتها بأن خاتمي «قادر على التمهيد لإجراء الحوار، وذلك من خلال إرساء التفاهم في تيار الإصلاحات والتركيز على الخطوط والحدود الفاصلة مع أعداء الشعب الإيراني وجعْلها أكثر وضوحاً». وعلى مدى السنوات الأخيرة، لم تكن العلاقة بين نظام الحُكم والتيار الإصلاحي، على ما يرام، إذ يرى هذا التيار أن النظام تحرّك في اتجاه التفرّد بالسلطة وإقصاء الإصلاحيين. وعليه، فإن المراقبين يذهبون إلى أن الاتصالات الأخيرة بين السلطة والإصلاحيين، يمكن أن تعني إمكانية الإفادة من طاقات هذا التيار لخفض منسوب التصعيد.