بين عامَي 2012 و2019، سادت ظاهرة «مهرجانات» المناطق، كمزراب إضافي لصرف النفوذ و«تقريش» علاقات السياسيين مع الوزارات والبلديات والمصارف وشركتَي الهاتف الخلوي والمتعهّدين. وقد مثّلت زوجات السياسيين الواجهة الأنيقة لـ«لجان المهرجانات»: مارلين زوجة النائب السابق بطرس حرب في لجنة مهرجانات تنورين، وستريدا جعجع في لجنة مهرجانات الأرز، وميريام سكاف في لجنة مهرجانات زحلة، وسينتيا زوجة النائب السابق هادي حبيش في لجنة مهرجانات القبيات... ونعمة افرام نفسه في لجنة مهرجانات جونية.في العادة، تضم اللجنة أعضاء من الحاشية، وتتفق مع شركة تتولى تجهيز المسرح والإضاءة والصوت والفنانين والبطاقات والمواكبة الإعلامية. وغالباً ما تنحصر مهمة الزوجات - رئيسات اللجان في انتقاء الفساتين المناسبة لليالي المهرجان، فيما يتولى الزوج استخدام نفوذه لتأمين الرعاية (الـ«سبونسور») من المصارف بأموال المودعين، أو من المال العام مباشرة عبر البلديات والوزارات وشركتَي الهاتف الخلوي. يبدأ المهرجان وينتهي بالسياسي وزوجته وأصدقائهم يرقصون على المسرح، فيما ينعدم أي أثر تنموي على تلك المناطق التي تبقى، قبل المهرجان وبعده، غارقة في مشاكلها المعتادة... في انتظار مهرجان السنة التالية. وفي العادة، أيضاً، تقدم لجان المهرجانات فواتير وهمية تصرّح بموجبها عن «خسائر» بدل الأرباح. ورغم أن ذلك حدث علناً، ولسنوات، إلا أن المنتفعين من المال العام لتحويل احتفالاتهم الخاصة إلى مهرجانات على نفقة الدولة، لم يكونوا يوماً هدفاً لـ«ثوار 17 تشرين»، بل إن بعضهم تحوّل إلى عضو في «مجلس قيادة الثورة».
(هيثم الموسوي)

عام 2013، «أهدى» حبيش زوجته سينتيا «لجنة مهرجانات القبيات» بموجب علم وخبر رقم 1887 (21/10/2013) لـ«الاهتمام بالشؤون الاجتماعية والتربوية والحرفية والزراعية والصحية والثقافية والبيئية والإنمائية والسياحية»، ولا سيما «تنظيم مهرجانات ثقافية وتربوية وسياحية» و«الاهتمام بشؤون البيئة وتوجيه المواطنين لحمايتها وصيانتها»، ناهيك عن «ليستة» أهداف لم يرَ العكاريون منها شيئاً، من بينها «مكافحة الأمية وتعليم اللغات والكمبيوتر» و«تقديم المساعدات لكل محتاج في حالات العوز أو التطبيب أو المداواة ولا سيما للأمراض المزمنة أو ذات الكلفة المرتفعة»، و«إنشاء مراكز طبية - اجتماعية ومدارس أكاديمية ومهنية ومراكز تدريب»، و«تعزيز القطاع الزراعي وتطوير بنيته التحتية وتأهيل المزارعين وتسويق الإنتاج الزراعي، و«تطوير الأعمال الحرفية»، و«تقديم المنح الدراسية»...
«الاهتمام بشؤون البيئة وتوجيه المواطنين لحمايتها وصيانتها»، كما جاء في أهداف الجمعية، لم يحل دون إقدام زوج رئيستها، هادي حبيش، عام 2016، على مجزرة اقتلاع أكثر من 4500 شجرة معمّرة من أجل شق طريق إلى قصر كان يبنيه في هضبة حرجية في القبيات، يملك فيها 200 سهم في العقار الرقم 3497.
بعيداً عن جريمة اقتلاع الأشجار على نفقة وزارة الزراعة، بواسطة شركة خاصة يشارك أحد أقرباء حبيش في ملكيتها، وبيعها حطباً (نحو 7 آلاف طن تُقدر قيمتها بـ 900 ألف دولار آنذاك). وبعيداً عن شق الطريق وتعبيدها على نفقة وزارة الأشغال ومن مخصّصات بلدة القبيات وجوارها كرمى لصاحب 200 سهم في العقار، كانت عينا حبيش مسلطتيْن على عقار (3498) جمهوري (مشاع) تبلغ مساحته مئات آلاف الأمتار من الأشجار الحرجية يحيط بالعقار الذي يملك بعض أسهمه.... ولكن كيف؟
في آب الماضي، جال وزير السياحة وليد نصّار في عكّار، بدءاً من القبيات، بدعوة من رئيسة «لجنة مهرجانات القبيات الدولية». يومها، دعا وزير السياحة إلى «الخروج من النمط التقليدي لمهرجانات سياحية كانت صورة عن اقتصاد ريعي أوصل البلاد الى ما نحن عليه اليوم». دعوة في محلّها، قبل أن يناقض الوزير نفسه بنفسه، عندما شكر «السيدة سينتيا حبيش» لدورها في «إنماء السياحة في القبيات وعكار» بعد أن وضعتهما «لجنة حبيش» على «السكة الصحيحة»، متجاهلاً عشرات الناشطين البيئيين من أبناء المنطقة ممن بذلوا، متطوّعين، جهوداً مضنية في السنوات الماضية لإدخال عكار ضمن خريطة السياحة البيئية والسياحة الجبلية من خلال عشرات الدروب التي باتت مقصداً للبنانيين والأجانب.
نصار يطلب تخصيص عقار موازٍ لقصر حبيش لإقامة مشروع سياحي «لا مثيل له في العالم»


بعد الزيارة، وجّه وزير السياحة مطلع أيلول الماضي كتاباً إلى وزير المال يوسف خليل يطلب فيه تخصيص جزء من العقار الرقم 3498 (المنطقة الحرجية الضخمة المحيطة بقصر حبيش) من منطقة القبيات لمصلحة وزارة السياحة لـ«إقامة مشروع سياحي - ديني» يزيد عدد السياح القادمين إلى لبنان «نظراً إلى عدم وجود أي مشروع مماثل له في العالم»!
لكنّ أحداً في العالم لم يسمع بهذا المشروع «الفريد» الذي «لا مثيل له». في القبيات، لم يسمع أحد عن مستثمرين أو رجال أعمال أو تصاميم للمشروع «الأعجوبة» الذي سيستقطب السياح من أصقاع الأرض. وما من مؤرّخ يؤكّد أو وثائق تشير إلى أن نبياً أو قديساً مرّ بتلك الهضبة، أو أن عجيبة وقعت فوقها. حتى «المكتب السياحي الأول» الذي افتتحه نصّار في البلدية أثناء زيارته «ما معو خبر»، وكذلك الناشطون في الملفين البيئي والسياحي في المنطقة. كل ما هو معروف عن تلك المنطقة أنها تعرّضت سابقاً لتشويه من أجل بناء قصر لـ«الشيخ هادي» وتزنيره بـ«أوتوستراد» للوصول إليه، وأن المشروع الذي «لا مثيل له في العالم» ليس إلا توسيعاً لحديقة قصر «الشيخ» واقتلاعاً لمزيد من الأشجار وإعادة تفعيل المرملة التي استُحدثت عند شق الطريق سابقاً، وتشييد مدرج باطوني محاط بعشرات الشاليهات تديرها «لجنة المهرجانات» التي لا تتوخّى الربح وتسجّل كشوفاتها المالية خسائر دائمة.
بعد اتصالات أجراها مهنيون في المنطقة تبيّن أن وزير السياحة لا يملك سوى «أفكار» عن المشروع، وهو أكّد لـ«الأخبار» أن السيدة حبيش هي «مصدر الأفكار»، مؤكداً أنه سيظهر جديته وحرصه على المال العام عبر إجراء مناقصة شفافة بإشراف رئيس دائرة المناقصات جان العلية، وأنه يتطلع إلى «تكرار التجربة مستقبلاً وتعميمها على مناطق أخرى لدعم السياحة». وأصدر نصّار بياناً أكد فيه أنه سيطلق «مناقصة علنية» فور الانتهاء من «الأفكار والخرائط للمشروع المنوي إقامته»، وهو ما يثير عدداً من الأسئلة:
- هل تكريم السيدة حبيش وزير السياحة بـ«ترويقة قروية» في «مطعم شلال السمك» وإطراؤها على «اهتمامه ومتابعته»، كافيان لدفعه إلى الأخذ بهذه «الأفكار» والمسارعة إلى الطلب من وزارة المال تحويل مشاعات إلى وزارته للتصرف بها؟
- هل راسل وزير السياحة وزارة البيئة لأخذ رأيها في المشروع الفريد؟ وهل طلب دراسة أثر بيئي قبل أن يطلب تخصيص الأرض لوزارته؟
- هل لدى وزارة السياحة قدرات مالية لإعداد الخرائط ودراسة الجدوى والكلفة التقديرية للمشروع أم أن من قدّم الأفكار مجاناً لمعاليه، هو نفسه من سيقدم الخرائط ويحدد بنود «المناقصة الشفافة»؟
- هل شاهد نصّار اللقطات الجوية (الفيديو على الموقع الإلكتروني) لهذه المساحة الخضراء التي لا يكاد يوجد مثيل لها في لبنان والتي يسعى إلى وضعها في تصرف حبيش؟
أخيراً، هل يدرك نصار أن ما يفعله هو - لا هادي حبيش ولا لجنة المهرجانات - اعتداء على المال العام وتشريع استيلاء نافذين عليه تحت شعارات إنسانية وبيئية وسياحية؟